محمد سلماوي: المبدع خُلِق من أجل الكتابة

مجموعة «ما وراء القمر» أحدث ما صدر للكاتب والأديب ورئيس اتحاد كتاب مصر السابق محمد سلماوي وأمين عام اتحاد الكتاب العرب وهي أول ما أبدعه بعد أن قرر التفرغ للكتابة على إثر بلوغه السبعين.

تاريخ طويل قضاه سلماوي في العمل العام، ربما عطله عن اتمام مشاريعه في الكتابة، لكنه غير نادم على ما ضاع، فقط يحاول الانتباه لما هو آت ومحاربة الوقت لإنجاز المطلوب فيما بقى.

هنا نحاور سلماوي عن المجموعة، وعن الثورة والكتابة والزمن والعمل العام..

(الموتى الذين يتركون هذا العالم يذهبون خلف القمر)، هذا ما ذكره كتاب الموتى في مصر القديمة وما كان يؤمن به الفراعنة على مدى سنوات طويلة، فقد كانت الشمس هي الإله رع مصدر الحياة، والمقابل له هو القمر، ولذلك من يموت يذهب خلفه لأنه أبعد نقطة عنها، وتلك المقولة هي التي اعتمد عليها سلماوي في كتابة مجموعته القصصية الأخيرة «ما وراء القمر»، التي يرصد فيها حالات اتصال مع من رحلوا.

هي ليست قصصا منشورة في أوقات مختلفة أو تناقش موضوعات مختلفة تم جمعها في مجموعة، وإنما خط متصل لا ينقطع، أساسه هو أن الصلة لا تنقطع بيننا وبين من رحلوا، لأن الموتي يذهبون  إلى  ما وراء القمر ويعودون كلما أرادوا للاتصال بنا، ولكي لا تكون تلك الحكايات «حواديت» خيالية، يقول سلماوي: اتبعت في هذه القصص أسلوبا واقعيا تماما، فكانت التفاصيل فيه مهمة جدا، وما يزيد من واقعية الحدث أو القصة أو الموضوع هو أن تكون الشخصية المذكورة حقيقية، بأن يكون بطل القصة يوسف إدريس مثلا، فالقصة تحكي كيف قابلته بعد وفاته بسنوات وكيف تحدثنا وكيف ألتقينا، دون تفسير، ليس كما يحدث في معظم القصص واكتشاف أنه حلم في النهاية، بل إنه واقع، تفسيره هو ما قاله الفراعنة في كتاب الموتى منذ سنوات.

تتضمن المجموعة قصة عن أحد شهداء الثورة كان وحيد أمه، كلما خرج للمظاهرات يتصل بها فيظهر على الهاتف جملة (بطمن عليكي)، فهو الاسم الذي حفظ به رقمه على هاتفها، بعدما مات بشهور طويلة وجدت تليفونها يرن ومكتوب عليه (بطمن عليكي)، بحثت عن تليفونه وجدته مغلقا، والشريحة أخبرها أصدقاؤه أنهم ألغوها لكي لا يستعملها أحد، في النهاية تقتنع وتدرك أن ابنها اتصل بها من العالم الآخر ليطمئن عليها، حكاية تبدو خيالية وغريبة ولكنها مرصودة بشكل واقعي جدا، وبعد نشرها أتت الصدفة أمام سلماوي بقصة شبيهة لها حدثت قريبا منه، فيقول: كنت مع أحد أفراد أسرة الدكتور محمد عبد الوهاب زوج السيدة فاتن حمامة، فبعد وفاتها أراد تغيير البيت الذي كانا يسكنانه سويا، فطلب من أبنائه البحث له عن منزل آخر، وجدوا شقة مناسبة وذهب ليراها، على الباب سمعوا صوت كروان والتفتوا إليه، وعندما دخلوا  إلى  المنزل ووصلوا لغرفة النوم سمعوا صوت الكروان مرة أخرى، فالرمز هنا (دعاء الكروان) أشهر أفلام فاتن حمامة، وكأنها كانت معهم وتبارك ذلك البيت الذي سيعيش فيه، هي تماما مثل قصة (بطمن عليكي) وحدثت بالفعل، فالجديد في هذه المجموعة أنها تناقش كلها نفس الموضوع، وتعالج مسائل تبدو خيالية بأسلوب واقعي.

صدرت المجموعة بالتزامن مع احتفال سلماوي بعيد ميلاده السبعين، والذي قرر معه أن يتخلى عن كل المناصب الإدارية، موضحا: حين وصلت للسبعين شعرت أن من حقي إحالة نفسي  إلى  المعاش، ولتكون رسالة بأنني لن أتولى مسئوليات إدارية بعد ذلك، لأن على واجبا تجاه إبداعي بأن أتفرغ له، وفعلا ذهبت بكل شغف وكتبت تلك المجموعة القصصية التي كانت تلح عليّ، الآن لديّ تخطيط لأشياء أخرى، منهما مذكراتي في السجن عام 1977 الموجودة كلها في «كرتونة» يوم بيوم، ولم أجد الوقت لكتابتها.

أثناء الاحتفال بميلاده، كتب الدكتور جابر عصفور كلمة في المصري اليوم قال فيها إن محمد سلماوي لو تفرغ لإبداعه المسرحي منذ البداية، لكان اليوم أكبر كاتب مسرحي في الوطن العربي، ولكن سلماوي عندما ينظر للوراء لا يندم على هذا الوقت الذي اقتطع من إبداعه، فقد ساهم في عمل أشياء كثيرة جدا، وربما ذلك مرتبط معه بواقعة حدثت في أوائل السبعينيات عندما ذهب في رحلة  إلى  الهند مع زوجته، ويتذكر: أثناء وجودي هناك لإجراء حديث مع رئيس الوزارة قمت بجولة سياحية، وأثناءها مررت بمعبد هناك، فأخبرت المرافق أنني أريد رؤيته، ودخلت إليه، ظهر لي كاهن بذقن طويلة، رأسه مربوط بعمامة كبيرة، عندما رآني نظر لي مدة طويلة وهو لا يعرف من أنا ولا اسمي أو من أي بلد، ولم يخبره المرافق أي شيء، دلف للداخل وأحضر لي وشاحا لونه أصفر قاني، وأهداه لي، ثم قال إنه يقدمه للناس المقدر لهم أن يقوموا بخدمات كبيرة جدا لأقرانهم، وأني سأفعل ذلك، مازال الوشاح عندي حتى الآن وأحتفظ به، فالإنسان يكون مقدرا له فعل أشياء كثيرة، ثم إن تلك التجارب الحياتية أفادتني وأثرت تجربتي بما كان له تأثير بلا شك على إبداعي، فأصبح أكثر تنوعا وعمقا وشمولا، ولذلك لا أندم، ولكني أتمنى أن أحقق بعضا مما أريد في الناحية الإبداعية خلال السنوات الباقية لي.

ويضيف: الإنسان كلما كبر في السن اقترب من الموت، و كانت فكرة الموت غير غريبة عليه، قد يصل  إلى  مرحلة أن يحب الموت كما قال محفوظ، إنما تلك مرحلة من التصوف قد لا يصل إليها كل إنسان، لكنه يتقبل الفكرة أكثر ويتعامل معها أكثر، وما أنشده الفترة المقبلة هو الكتابة وليس شيئا آخر، فلديّ مشروعات كثيرة، الرواية ومذكراتي، وربما الشهر القادم تأتيني فكرة ليست على بالي الآن، فأرجو أن تكون أوقاتي للإبداع، والتمتع بالحياة مع أحفادي، والقيام بسفريات وزيارة أماكن أريد الذهاب إليها، وكل ذلك في النهاية سيصب حسب ما أتصور في الإبداع.

الكاتب يكتب للقارئ وليس نفسه، ولكنه لا يكتب لمن يجلس بجانبه أو من سينزل لشراء الكتاب، وإنما لقارئ عام ونظري في ذهن سلماوي، فبعض الكتاب كانوا يكتبون لقراء لم يوجدوا إلا بعدما ماتوا، وكثيرون لم يلتفت إليهم سوى بعد وفاتهم بسنوات، وذلك كان سر نجيب محفوظ، وبوضع: لقد كان يجد سعادته وجزاءه الحقيقي من عملية الكتابة نفسها، سعادته في كتابة الرواية الدافع له لاستكمالها، فالكاتب مهمته أن يكتب وفق ما يراه وحسب رؤيته ثم يترك بعد ذلك الحكم عليه ربما لأقرانه أو لمن سيجيئون بعده، أو كما يحدث دائما؛ للتاريخ، وهذا هو ما أتمنى أن أستطيع فعله الآن بعد أن تحررت من كل التزاماتي، وأركز كل جهدي على الكتابة التي أعتقد أن المبدع خلق من أجلها، ويا ليته لا ينشغل بأشياء أخرى بعيدا عنها.

يرى سلماوي الان أن الأديب يجب أن يتفرغ لإبداعه، ولكن المناصب التنفيذية كانت تجذبه وتفرض نفسها عليه، وكان يشعر أن ذلك واجب لا يمكن التخلي عنه، فعضويته في الاتحاد قديمة جدا، حيث إن عدد الأعضاء الآن أكثر من ثلاثة ألاف، ورقم عضويته 805، لقد كان من الرعيل الأول الذي انضم للاتحاد، ولم يكن يفكر في الترشح لرئاسته، لكن في عام 2005 كان الاتحاد يمر بمرحلة صعبة بعد وفاة فاروق خورشيد، وكانت هناك صراعات مختلفة ولم يتمكن أحد من تسوية الأمور، فذهب إليه بعض الأعضاء وسألوه لكي يترشح، وحكوا له ما يحدث، فحزن على الوضع وشعر أنه يمكنه صنع شيء لتطوير اتحاد كتاب مصر ومنحه المكانة التي يستحقها، وعلى مدى 10 سنوات، لم يكن يترشح للرئاسة، وإنما يختار بالتزكية، ولا يترشح أحد أمامه للمنافسة، ولذلك يوجه رسالة شكر للأعضاء بعد تخليه عن المنصب، قائلا: أشكرهم لتكريمهم الكبير، وانتخابهم لي طوال هذه المدة رئيسا للاتحاد، مررنا بأوقات صعبة كثيرة، ولكننا اجتزناها، فوقت الثورة مثلا حليت المجلس بأكمله بما فيهم أنا واستقلت، وقررنا أن ننتخب من جديد لأننا في عصر جديد، وكُرمت وشرفوني بانتخابهم لي مرة أخرى رئيسا عام 2011 وحتى 2015، فهذا من الأشياء التي اعتز بها وأشعر أنني مدين لأدباء وكتاب مصر، كما أنا مدين لأدباء وكتاب الوطن العربي الذين تمسكوا بي 9 سنوات.

على مدى تسع سنوات، تقلد سلماوي منصب أمين عام اتحاد الكتاب العرب، يعتقد أنهم استطاعوا خلالهما منذ عام 2006 وحتى اليوم تحقيق الكثير على أصعدة مختلفة، فيقول: لقد أسننا هذا الاتحاد باجتماعاته التي ينص عليها النظام الأساسي له - قانون إنشائه -، فقد رأينا في دورات سابقة أنها كانت تمر كلها دون أن تنعقد اجتماعات، فثبتنا ذلك بأن وضعنا مواعيد محددة لاجتماعات المكتب الدائم أو المؤتمر العام، لدرجة أنه في بعض الأحيان عندما كانت دولة من الدول عليها استضافة اجتماع مكتب دائم ولأي سبب تحدث ظروف طارئة لا تمكنها من ذلك، كنت أرفض إلغاءه، وأقول أن مسئولية الأمانة العامة أن تعقده، وبالتالي كنا نعقده في مقر الأمانة العامة بالقاهرة، وفي هذا الإطار استضفنا حوالي 3 أو 4 اجتماعات خلال الدورة الأخيرة في الثلاث سنوات الماضية، ذلك كان أساسي لكي يستطيع الاتحاد العمل بشكل منتظم.

ويستكمل: كما أننا صنعنا نظاما أساسيا جديدا، فالنظام الذي كان يعمل به الاتحاد هو نفسه منذ وقت تأسيسه قبل عدة عقود، الظروف السياسية والاجتماعية في العالم العربي تغيرت، بما استدعي أن نعيد النظر في هذا النظام الأساسي، فعقدنا مؤتمرا استثنائي في الأردن ووضعنا نظاما جديدا، خصصنا فيه مسئوليات أكبر لوكلائنا من بقية القيادات ومواقع قيادية جديدة بدلا من انفراد الأمانة العامة بكل السلطات، فقد كان ذلك متماشيا مع طبيعة العصر في وقت إنشاء الاتحاد ولكن الآن لا، هناك نائب أول وثاني وكل منهما له اختصاصات، وأنشأنا مكاتب جديدة لكل دولة تشرف على واحد منها ولهم اختصاصاتهم.

ثم يستطرد: أما الأهم من وجهة نظري، فهو أننا وضعنا هذا الاتحاد على خريطة العمل العام في الوطن العربي، بحيث أصبح اليوم وجوده محسوسا وله كلمته، عندما نصدر بيان إدانة لإلقاء القبض على كاتب فإن الحكومات تتصل بنا، وقد ساهمنا في حل مشاكل أدباء تم منعهم من الدخول، آخرهم الكاتبة اللبنانية سونيا بوماد، تدخلنا واستطعنا رفع الحظر عنها وتمكنت من حضور معرض الكتاب الذي كانت مدعوة له، وآخرين.

أما على المستوى المادي، فقد تضاعفت ميزانية الاتحاد عدة مرات، فعندما استلمته مصر عام 2006 كان مدينا، اليوم هناك فائض عدة مئات الآلاف من الدولارات، وعلى المستوى المحلي، يوضح سلماوي اعتقد أننا بمجرد إعادة الأمانة العامة  إلى  مصر، أسقطنا الورقة الأخيرة في سياسة المقاطعة التي طبقت منذ كامب ديفيد.

ومن الإنجازات التي يعدها سلماوي غاية في الأهمية أيضا، هو تقرير الحريات الذي استحدث في الفترة الأخيرة، لأن الاتحاد العام للكتاب العرب من المفترض أن يكون معنيا بحريات الكتاب الشخصية وحريتهم في التعبير وعدم إلقاء القبض عليهم بسبب ما يكتبون وهكذا، فعلى مدى السنوات الأخيرة ترسخ مبدأ بأنهم في كل اجتماع للمكتب الدائم يصدر تقرير عن حال الحريات في العالم العربي، وكان في أحيان كثيرة شديد اللهجة ويأتي بأثر كبير، فأصبح كل اتحاد ملزما بأن يصدر تقريرا عن الحريات في بلده، ولزم عليه أن يتابع وضع الحريات، وهذا كان جزءا من التخطيط، تفعيل وتنشيط الاتحادات وحثهم على أخذ موقف استقلالي.

ولكن هذا التقرير لا يعني أن الحريات في أوطاننا العربية بخير، فيقول سلماوي: الحريات في العالم العربي تراجعت منذ بدأنا التقرير، ولكن ليس بسببه بالطبع، بسبب التطورات السياسية التي حدثت من خلال الثورات التي شهدها الوطن العربي، والتي تحولت الآن  إلى  فترات اقتتال طائفي ومذهبي وانقسامات وتقسيمات جغرافية، كل هذه القلاقل والاضطرابات تكون دائما على حساب صون الحريات والحفاظ عليها، إنما ذلك يعلي من قيمة التقرير لأن له احتياجا أكبر، لكن للأسف لو سنتحدث عن حال الحريات، فقد تراجعت بشكل كبير في الوطن العربي بلا استثناء، لأن هناك حالتي عدم استقرار وعدم طمأنينة غير طبيعية في الوطن العربي وحالات اضطراب وتخوف وترقب، كل ذلك للأسف على حساب الحريات.

وبذكر الحريات وخاصة للأدباء، نجد أن علاقة المثقف بالسلطة دائما مضطربة، ففي العالم الثالث، يعبر التناقض بين المثقف والسلطة عن نفسه بشكل عنيف، بالسجن أو القتل، وقد تعرض سلماوي لذلك من قبل عام 1977، ولكن التجربة لم تكن سيئة تماما بالنسبة له، فيوضح: العلاقة بين السلطة والمثقف بالضرورة علاقة تضاد، لأن كلا منهما نظرته مختلفة وأسلوبه في التعامل مع الحياة مختلف، فالمثقف بطبيعته يتأمل الأشياء ويحللها ويناقش كل القضايا، بينما رجل السياسة ينطلق بعد أن يكون قد حسم كل القضايا، فهو عندما يترشح لرئاسة الجمهورية مثلا لا يكون لكي يبحث أو يناقش أو يحلل، وإنما لأنه يعلم الحل وسينفذه، وحين انتخابه يعتبر أن ذلك بمثابة تفويض للتنفيذ فيصبح في حالة صراع مع الوقت، فيخرج له المثقف ويطالبه بالمناقشة، ولا يتفقان، لأن كلا منهما له نظرته المتناقضة مع الآخر، في الدول الديمقراطية هذا الصدام يكون بناء ويستطيع الحاكم أن يستمع لهذه الآراء الأخرى ويجد لديه من الوقت ما يذهب  إلى  مناقشة بعض هذه الآراء بحيث يصوب اتجاهه، أما في الدول الاستبدادية فلا أحد يحاول مناقشة الحاكم، ولذلك أي محاولة مناقشة هي بمثابة تعطيل الركب وبالتالي خيانة للوطن، ومن هنا يأتي الصدام العنيف، فالمجتمعات السوية هي التي يمارس فيها كل من السلطة والمثقف دوره ويستطيعان أن يجدا وسيلة التفاهم والتفاعل فيما بينهما، ولكن في الدول الاستبدادية، وخاصة لدينا في الوطن العربي، لم نخرج تماما من وعاء الاستبدادية السياسية، وهذا التناقض عادة ما يأخذ شكلا به قدر من العنف بالاعتقال أو التصفية الجسدية في بعض الأحيان كما رأينا في العراق أو غيره، من لم يمر بتجربة السجن سعيد الحظ بأن التناقض بينه وبين السلطة لم يدفعها  إلى  أن تأخذ مثل هذا القرار تجاهه، ولكن تجربة السجن عندما أنظر لها أجدها مفيدة وثرية جدا، فقد عرفتني بجانب من المجتمع والحياة لم يكن يمكنني معرفته لو لم أدخل  إلى  السجن، فقد رأيت أناسا كان يمكن أن أعيش وأموت دون أن تتقاطع حياتي مع حياتهم، خارجين على القانون ومحكومين بالإعدام وآخرين سياسيين ومفكرين، خرجت منه وكتبت مسرحية «القاتل خارج السجن" التي كانت تعالج تلك المشكلة، واعتمدت اعتمادا مباشرا على تلك التجربة، فأنا أدين لها كثيرا.

ومن الأدوار التنفيذية التي قام بها سلماوي كذلك، أنه كان عضوا بلجنة الخمسين التي وضعت الدستور والمتحدث الرسمي باسمها، وإزاء الجهد الذي بذل في كتابته، لم يكن المقابل حتى الآن سوى في شيء واحد وهو ليس كافيا في رأي سلماوي، فيوضح: قناعة الشعب المصري بأنه يملك دستورا جيدا ينبغي أن يطبق هو الإنجاز الوحيد حتى الآن، أما الدستور نفسه فهو مازال غائبا عن حياتنا العامة في مصر على جميع المستويات، ما أشعر به ليس القلق من أن لا يطبق الدستور، وإنما الغضب من أنه تأخر كل هذه المدة، لكني واثق من أنه سيطبق، لأن هناك متغيرا مهما جدا حدث وهو العنصر الشعبي، الذي كان مغيبا في الماضي وأصبح الآن عنصرا فاعلا في معادلة الحياة العامة في البلد وليست السياسية فقط، هذا الشعب لن يقبل بأن الدستور الذي أقره بهذه النسبة غير المسبوقة يكون مجرد لعبة سياسية ولا يطبق، فالناس يعرفون أن الأداة الأساسية في تطبيق الدستور هو البرلمان القادم، ومتى انعقد البرلمان الذي وعد الرئيس السيسي بتشكيله قبل نهاية العام، لن يقبل الناس أن يكون هناك برلمان ولا ينصرف أول ما ينصرف  إلى  وضع القوانين والتشريعات التي تطبق الدستور.

ويستطرد: لكن أمامنا مشكلة رهيبة جدا، وهي أنه  إلى  أن يتم ذلك، لدينا قوانين كلها مضادة لهذا الدستور العظيم الذي أقره الشعب، والمحاكم تحتكم لمثل هذه القوانين، فتصدر أحكاما وتقبل قضايا بتهم مثل ازدراء الأديان، وهي تهمة غير دستورية وغير واردة في الدستور، فهذا موقف لا يجب أن يستمر، فحتى يتشكل البرلمان لدينا فترة حكم بقوانين الاستبداد رغم وجود الدستور وإقراره، وهذا وضع غير سليم، لأنه رغم أن البرلمان لم يقم، إلا أنه من الناحية القانونية الدستور يعتبر نافذا من تاريخ إقراره، وهذا يعني أن القاضي الذي يحكم اليوم لابد ألا يكتفي بالقانون الذي وضعه السادات أو مبارك أو غيرهما، لابد أن يكون في ذهنه أن هناك قانونا نافذا من لحظة التصويت عليه وإن كانت لوائحه التشريعية لم تصدر بعد، ولابد من من وجود مرونة تشير  إلى  وعي القاضي بوجود الدستور.

لا تتوقف المشكلات عند هذا الحد، بل هناك مشكلة أخرى ستبدأ بعد انعقاد البرلمان، وهي أننا في بلد به 66 ألف قانون وتشريع، فأي برلمان الذي يستطيع مراجعة كل ذلك وبيان إن كانوا متفقين مع الدستور من عدمه؟، ولذلك يقترح سلماوي: فليبدأ البرلمان من الطريق الثاني، وهو أن يضع التشريعات التي يرى أنها تطبق مواد الدستور، ويصدر 247 تشريعا مقابلا، وما عدا هذه التشريعات يعتبر باطلا ولاغيا وكأنه لم يكن، هذه الطريقة الوحيدة، لأنه إذا انعقد البرلمان وسقط في مشكلة مراجعة القوانين واستغراقه في ذلك أعواما، لن يقبل ذلك أحد وسيشكك في شرعيته، لأن مهمته الأولى هي التشريع، وإن لم يكن أولاها هو تشريع الدستور فليس هناك مهمة أعلى من هذا ولن يقبل الناس أن ينصرف البرلمان بشيء أقل أهمية.

هذا الدستور لم يكن ليكتب إن أكمل الإخوان حكمهم، بل كنا كما يوضح سلماوي انضممنا لغالبية المجتمعات العربية الأخرى مثل ليبيا والعراق وسوريا والسودان واليمن، وكنا في حالة من الفوضى كانت بدايتها واضحة جدا في النصف الثاني من حكم الإخوان، ويصفها: لقد كانت فترة استثنائية، وقد أصدرت عنها كتابا اسميته (مسدس الطلقة الواحدة)، أي لا يمكن أن يعاد استخدامه مرة أخرى، اليوم نحن على الطريق الذي بدأ عام 2011، وأنا لا أرى هذا التناقض بين ثورتي 25 يناير و30 يونيو، فالثانية لم تقم ضد الأولى وإنما ضد من اغتصبوها واختطفوها، فكانت عودة إليها، نحن الآن على طريق 25 يناير، الشعب أصبح عنصرا فاعلا في المعادلة السياسية بشكل عام لا يمكن تجاهله، العدالة الاجتماعية وإن كانت لم تتحقق بالكامل لأنها تحتاج سنوات، وإنما هناك إدراك لأهميتها ومطالبة أكثر من أي وقت مضى بضرورة الالتزام بها، السياسة الخارجية والدور العربي والدولي لمصر يتأكد يوما بعد يوم، وكما كانت العدالة مطلبا، كانت أيضا الكرامة الإنسانية، وهي ليست فقط كرامة المواطن وإنما كرامة الدولة، فقد كانوا يخبرونني عندما كنت أمينا عاما لاتحاد الكتاب العرب بأننا أنقذنا العرب وليست مصر فقط، لأن الإخوان إن كانوا سيطروا على مصر؛ كان العالم العربي كله سيصبح في حكم إسلامي متشدد، هذه قاعدة تعطي مصر أيضا قوة في مواجهة الدول الأخرى، فعودة الدور العربي لمصر ومكانتها على الساحة الدولية يتم.

ويعود ليؤكد: بعد 4 سنوات من الثورة نحن على الطريق السليم، ولكن هذا لا يعني أن المتاعب انتهت والنتائج تحققت، على العكس، نحن في بداية الطريق، وهو صعب وطويل ووعر، لكنه هو الصحيح وليس أمامنا غيره، وقد قطعته كل الدول التي وصلت إلى تحقيق انتعاشها وتقدمها مثل ألمانيا وإنجلترا وغيرها، بتضحية مريرة، الوضع لدينا؛ والرئيس السيسي أول من يعرف هذا، لا يتحمل أن نطلب من الشعب أن نتقشف مثلما فعل الشعب الألماني أو البريطاني، لأن الشعب لدينا متقشف منذ 40 سنة، فهذا يزيد صعوبة المشكلة، ولكن مشروع قناة السويس وفكرة العاصمة الجديدة، ستصنعان نقلة كبيرة، إلى جانب الاستثمارات الأجنبية، ولكني اعتقد أنها ما لم تصاحبها ثورة إدارية تغير من كل القوانين واللوائح التي يخضع لها الاستثمار، ستخرج كل هذه الأموال كما أتت، فالثورة ليست مجرد شعارات في التحرير، ولكن أن نثّور كل جوانب حياتنا وأولها هذه اللوائح والقوانين التي تكبل الاستثمار.

Comments