شارعنا.. أكاديمية الفنون تخرج للشارع

«العالم الذي نعيش فيه يتأثر بتيارين؛ أحدهما إيجابي والآخر سلبي، فهو ليس مقسماً لغني وفقير أو متعلم وغير متعلم، وإنما جميع الحروب الكبيرة والمعارك الصغيرة تقع بين المهتمين بأوضاع الآخرين وبين غير الواعين، والثورة الحقيقية تحدث في كل مرة يقرر فيها شخص أن يتحدي العادات والتقاليد، هناك من يلقي القمامة في الشارع كل يوم، وهناك من يعترض على ذلك، وهناك من يؤجر لإزالتها، وقد قررنا أن نكرس يوماً في الأسبوع للمشاركة في ثورة التأثير الإيجابي، يوم نثبت فيه لأنفسنا ولمن يروننا أننا على وعي بأن الأمور لا تتغير على نطاق واسع بعد صراع بين الخير والشر، بل تتغير كل يوم، وكل فعل إيجابي أو قاس ينتج عنه سلسلة من الأحداث تعكس دافعه، شاركنا أيام السبت لنبدأ حركة تحمّل مسئولية نظافة وجمال شوارعنا، ولنُعلم المسئولين أنهم يمكنهم أن يساعدونا ولا يمكنهم أن يوقفونا، ولنخبر الكناسين أنه يشرفنا أن نقوم بمهمتهم لمدة يوم».

تلك هي ببساطة رسالة «شارعنا».. المبادرة التي أطلقها عدد من طلاب أكاديمية الفنون بالجيزة «كتيبة الفنون» تحت إشراف د. سمية رمضان أستاذ النقد الأدبي بمعهد النقد الفني، تهدف إلى حل المشكلات في الأحياء، ونظافة وتجميل وتشجير شوارع القاهرة والجيزة، أرادوا أن يبعثوا من خلالها برسالة إلى الناس بأن الشوارع التي يسكنونها ليست ملكا للمسئولين كما يعتقدون؛ وإنما ملك لهم ويجب أن يحافظوا عليها بأنفسهم وأياديهم، بدأوا من حي العمرانية وشارع اليابان؛ الذي تقع فيه الأكاديمية، كان عددهم لا يتجاوز عشرة طلاب، وفي أقل من شهر وصلوا لثلاثة أضعاف هذا العدد، بانضمام شباب آخرين لا يدرسون بالأكاديمية؛ لكنهم آمنوا بالفكرة.

من بين المتطوعين، محمد مرة، الذي انضم إلى الكتيبة مع صديقه ياسر نصر وتحمس للمبادرة، فنزل لمساعدتهم في شارع اليابان، وبعد اليوم الأول أرادوا أن يوسعوا عملهم ويصلوا به إلى جميع الناس، في محاولة لتغيير السلوكيات، يقول محمد: بدأنا ننظف الشارع ويرانا الناس، وتحدثنا إلى د.منال عوض نائبة المحافظ، التي أوصلت صوتنا لرئيس الحي، وطلبنا من سكان المنطقة إخبار مشكلاتهم للمسئولين، عندها ازدادت ثقتهم فينا، وبدأوا يساعدوننا، نظفوا وزرعوا أمام بيوتهم، ووعدونا بالمحافظة على الشارع عندما ننتقل لمكان آخر، فنحن نحاول عمل تواصل بين السكان والمسئولين.

ويضيف مرة: نريد استرجاع شوارعنا القديمة وقد اخترنا الطريق الصعب، دون أي اعتبارات سوى أننا مصريون، يمكننا الاختلاف في أي شيء لكن في النهاية مصر بيتنا وهذا شارعنا، لابد أن نحافظ عليه، نجاحنا أن نغير نفسية الناس، وقد حدث ذلك والسكان بدأوا يطورون من أنفسهم، وكلما تكبر الحملة نحن مستمرون، بدأنا 5 وتعدينا 30 الآن، نحلم باليوم الذي تنظف فيه مصر شوارعها.

بعد 7 سنوات قضاها في أستراليا لدراسة الفن التشكيلي، جاء ياسر نصر منذ عام ليقدر له أن يشارك الكتيبة في مبادرتها، ويقول: المبادرة بدأت من جانب فريق «كتيبة الفنون» بالأكاديمية في شارع «اليابان» بحي العمرانية، كبداية لتنظيف وتجميل الشوارع وتلوين الجدران والأرصفة وجمع القمامة المنتشرة في الشوارع، وقد حددنا يوم السبت من كل أسبوع، وعندما رأي المسئولون بالحي ما نقوم به اهتموا بشدة واستمعوا لنا، وقاموا بتزويدنا بصناديق القمامة التي طلبناها، تشجيعا لجهودنا ولأهالي المنطقة للمحافظة على نظافتها، هي فكرة نسعى لتطبيقها في كل شوارع مصر، بأن نحل مشاكلنا بأيدينا قبل أن نلجأ للمسئولين، فكثير من المشكلات التي تتفاقم ونقول إنها دور الدول يمكننا حلها بسهولة، نريد فقط من المسئولين في الحي توفير الأدوات التي نعمل بها، فحتى الآن نحن معتمدون على أنفسنا تماما في شراء كل ما نستخدمه، من أدوات تنظيف إلى طلاء وألوان وغيره.

بينما تقول آية عبد الرحمن شاهين، المعيدة بكلية التربية النوعية في جامعة القاهرة، والتي تدرس بالدراسات العليا في معهد النقد، وهي مسئولة الإعلام بالكتيبة: «شارعنا» بدايتها كانت في إحدى محاضرات د.سمية رمضان، عندما وجدنا أنه ليس من المنطقي أن تكون أكاديمية الفنون أمامها هذه الألوان والأصناف من القمامة، وإذا اعتمدنا على الحكومة سنستغرق وقتا طويلا، فقررنا أن نزيلها بأنفسنا، وبمجرد نشر تلك العادة الإيجابية سنجد مشاركة من قبل الناس، وهذا ما حدث بالفعل، وخلال خمسة أسابيع كان شارع «اليابان» مختلفا تماما ونظيفا، ووضعت فيه المحافظة ثلاثة صناديق قمامة، وجدرانه بيضاء ومرسومة بزهرة اللوتس، كانت استجابة المسئولين بطيئة بعض الشيء ولكن المهم أنها موجودة، فكان ذلك بمثابة انطلاقة لنا للانتقال إلى شارع خاتم المرسلين، وطلبنا بعض الأشياء من نائبة المحافظ منال عوض ومن المفترض أن تكون موجودة خلال الأسبوع المقبل.

وتضيف شاهين: بدأنا 5 ونحن الآن 30، وكلما زاد العدد يساعد ذلك على تقليل المدة الزمنية التي نستغرقها في الشارع، ولا أريد أن أفلسف الأمر، ولكن المشاركة في هذه المبادرة فيها تهذيب للنفس بشكل كبير، وقبل أن تكون مشاركة إيجابية، هي مفيدة جدا للإنسان وبها تهذيب نفسي وخلقي وتربوي، لا يعبر عنه بالكلام، كما أنها كسرت بالنسبة لي نظرة الاستخفاف التي تربينا عليها تجاه عامل النظافة، فلم أع قدره وقيمته إلا عندما نزلت ومارست عمله، شعرت كم هو رجل عظيم لا يستهان به.

أما نيهال دهب، فهي فنانة تشكيلية، وتدرس النقد بالمعهد، مسئولة عن كل ما هو فني في الموضوع، بداية من الرسوم الجدارية، إلى التصميم، وجميع ما ينشر باسم «كتيبة الفنون»، وتقول: لم نخرج مرة واحدة، فقبل أن نبدأ كان هناك إعداد، أنشأنا مجموعتين، الأولى كتيبة الأمل سريعة الانتشار، والثانية كتيبة الأمل طويلة الأمد التي نمثلها بدأنا من الشارع الذي يضم معهدنا «اليابان»، وجدناه مظلما ومليئا بالقمامة، بدأنا في تجميع الناس من المعهد، وبعدها نزلنا إلى الشارع، فتعرف علينا الناس أكثر وأرادوا المشاركة معنا، هي بمثابة حملة توعية غير مباشرة، الفكرة ليست أن نمسك «مكنسة» وننظف ولكن أن يتابع المسئولون في الحي عملهم، وقد اخترنا رسم زهرة اللوتس على الجدران لأننا في منطقة الجيزة والأهرامات، واللوتس في الأصل فرعونية ولها قدسيتها.

Comments