تُنشَر لأول مرة.. 500 ساعة من التسجيلات بصوت محفوظ

من بين 500 ساعة قام الكاتب الكبير محمد سلماوي بتسجيلها لأديب نوبل الراحل نجيب محفوظ تضم محاوراته معه على امتداد 12 عاما، وتتطرق لمختلف الموضوعات الأدبية والسياسية والخاصة، تنفرد «أخبار الأدب» اليوم ولأول مرة بنشر حوارين من هذه الحوارات بموافقة خاصة وغير مسبوقة من الأستاذ سلماوي، بعد أن ظل يحتفظ بها دون أن يخرجها إلى النور طوال التسع سنوات الماضية منذ رحيل صاحبها عام 2006.

ولقد وجدنا في الشريطين دررا نادرة، ليس فقط على مستوى الحوارات التي تضمنت الكثير من آراء محفوظ غير المنشورة في مختلف القضايا، وإنما أيضا فيما تضمنته من أخبار لم تكن معروفة من قبل، ومنها على سبيل المثال أن السيدة بينظير بوتو، رئيسة وزراء باكستان السابقة حرصت على دعوة نجيب محفوظ شخصيا، ضمن عدد من أهم المثقفين في العالمين العربي والإسلامي؛ للمشاركة في مؤتمر المفكرين الدولي الذي أقيم عام 1995 في إسلام اباد، وذلك بعد حضور السفير الباكستاني إلى منزل محفوظ لدعوته، وهي زيارة مسجلة على الشريط بكل ما دار بها من حديث، لكنه لم يستطع الذهاب إلى المؤتمر نظرا لظروفه الصحية، فلبَّى الدعوة بكلمة مكتوبة أملاها على سلماوي الذي بعث بها إلى باكستان وتم إلقاؤها في افتتاح المؤتمر.

وكان من بينها أيضا ما قاله محفوظ بصوته في أحد الشريطين من أنه لم يراجع المادة الواردة في المذكرات التي كتبها رجاء النقاش عنه، وأنه لم يقرأ الكتاب إلا بعد صدوره، وأنه قد وردت به معلومات منافية للحقيقة.

ورغم أن الشريطين اللذين قمنا بتفريغهما لا يتضمنان إلا أقل من ساعتين من ال500 ساعة التي سجلها له سلماوي، إلا أن المادة الواردة بهما تغوص إلى أعماق شخصية الأديب الراحل وتكشف عن طبيعة شخصيته المحببة وآرائه الثاقبة، فهكذا كان الفائز بنوبل في حرصه وتعاملاته، مثلما كان شغوفا بأن يسجل كل ما يخطر على باله من تجليات لا تقدر بثمن،ظل صاحب » ما وراء القمر « يسجلها طوال لقاءاته الأسبوعية والتي كانت تتم في السادسة مساء كل يوم سبت من شتاء 1994 إلى صيف 2006، فأظهرت ملامح محفوظ الخفية.

والحواران اللذان تضمنهما الشريطين تم تسجيلأولهما عام 1995، والآخر عام 1998، وعندما تسلمت الشرائط من الأستاذ سلماوي واجهتنا مشكلة كبرى في التعامل معها لأنها شرائط (كاسيت)، فلم تعد هناك الآن أجهزة متاحة لسماعها بيسر، وبالكاد تجاوزنا هذه العقبة، لذلك نرى ضرورة أن يتم الحفاظ على بقية الشرائط التي تمثل كنزا ثمينا من خلال نقلها على وسائل حفظ أخرى حديثة مثل الأقراص المدمجة. (CD

كما تبين لنا من خلال تلك العينة البسيطة من التسجيلات المحفوظية أن في كل كلمة ينبث بها أديبنا الأكبر، تكمن تراكمات فكرية وخبراتية كبيرة يمكن شرح كل منها في صفحات وصفحات، وإن تناولنا بضع لمحات بحسب المراحل العمرية، نجده يتحدث عن هموم طفل في السابعة من عمره مؤكدا أنها في جزء منها سياسية، فكيف لطفل مهموم أن ينبغ في ظل مصادر الإطلاع القليلة، بل والصعبة، لعدم توافر كتب تصلح للأطفال، مما اضطره وغيره ممن حثهم أساتذتهم على القراءة بأن يتجهوا لقراءة كتب الكبار، هكذا تولدت لدى الطفل روح التحدي في وقت كانت نسبة النجاح بالشهادة الأساسية لا تتجاوز 50٪.

«الهموم تتداوى بالهموم أحيانا». الباقي من الزمن ساعة

وفي موضع آخر من التسجيلات وجدناه يتحدث عن مرحلة الشباب وهمومها، فالهموم في حياة الإنسان عرض مستمر، لكنها لم تكن ذريعة للفشل والجهل، والدليل أنه في الثلاثينيات والأربعينيات وحتى الستينيات، عندما كان تعداد مصر بضع ملايين ولم يتجاوز 20 مليونا، أنجبت نجيب محفوظ وآخرين من أهم كتابها ومفكريها، اليوم وبعد أن قرب تعداد مصر من المئة مليون، بات صعبا للغاية إن لم يكن مستحيلا أن تنجب من يدنو ولو قليلا من محفوظ، وبالتالي فالهموم والمشاكل أيا كان حجمها بريئة من الاتهام.

«أن تؤمن وأن تعمل فهذا هو المثل الأعلى، ألا تؤمن فذاك طريق آخر اسمه الضياع، أن تؤمن وتعجز عن العمل فهذا هو الجحيم». ميرامار

ما اكتسبه من قدرة على التحدي ومواجهة أصعب الظروف في صغره وشبابه ساعده في شيخوخته، فرغم ما كان يعانيه من أوجاع جسدية في ذراعه بعد تعرضه لمحاولة اغتيال على يد أحد صبية الجماعات الإسلامية، إضافة إلى الضعف الشديد في السمع والبصر، إلا أنه لم يتوقف عن الإطلاع بطريقة أو بأخرى، وكذلك الكتابة حتى آخر يوم في عمره، حيث تظهر كتاباته قدر وعيه بكل ما يدور من حوله، ليس في محيط المنطقة التي يعيش فيها؛ ولكن في مصر والعالم.

حينما اشتد المرض بمحفوظ ولم يعد قادرا على القراءة وحده، تساءل عن شخص يقرأ له الصحف، فأشارت الترشيحات نحو «الحاج صبري»، ذي الأربعين عاما، والذي يعمل سكرتيرا لمكتب ثروت أباظة، ورغم العلاقة الشديدة بين أباظة وسكرتيره، لكنه لم يكن يرد سؤالا لمحفوظ، فبدأ الحاج صبري رحلته مع الأديب الراحل عام 1986، من خلال قراءة الصحف له في البداية، وشيئا فشيئا أصبح الشخص الأقرب منه، لكن بعد سنوات توفى ثروت أباظة وأحالت جريدة الأهرام الحاج صبري إلى المعاش، فما كان من محمد سلماوي إلا أن عينه بمكافأة شهرية في جريدة الأهرام إبدو التي كان يرأس تحريرها، وحين سأله عن ماذا سيكون عمله في هذه الجريدة الصادرة بالفرنسية؟ قال له سلماوي: عملك هو أن تقرأ لنجيب محفوظ الجرائد كل صباح.

«احرص في النهاية على أن تؤلف كتاباً وإلا نسيك الناس، فلم يبق من الذين لم يدونوا أفكارهم إلا سقراط». من مقابلة معه

ثقافة محفوظ وخبراته منحته رؤية مختلفة وأكثر وضوحا لكل الأحداث، فكان مدركا لأحوال البلاد وظروفها وما تمر به خلال كل مرحلة بعد الأخرى، وقد وجدها في حينه عام 1995 تسير في الاتجاه الصحيح، رغم المشاكل التي تعاني منها، فيرى ذلك حتماً ويجب مواجهته، حيث تكمن في هذه المواجهة جوانب إيجابية عدة، أهمها خلق جيل جديد قوي قادر على المقاومة والتعامل مع مختلف الظروف أيا كانت صعوبتها، كما كان يؤمن تماما بالأجيال اللاحقة في مصر وأنها يمكنها أن تحقق ما فشلوا فيه.

أظهرت حوارات محفوظ قدر ما لديه من صفات شخصية يفترض أن تتوافر في أي إنسان سوى، وبالأحرى المفكر والمبدع، منها التواضع الشديد، فلم يكن يرى في نفسه كاتبا مهما ولكن لديه مهمة يجب أن يتدرب جيدا ليقوم بها ، مثله في ذلك كأي صاحب مهنة أخرى، كما تجلى هذا أيضا في حديثه عن آراء الآخرين واحترامه لكل رأي وصاحبه.

اتسمت رؤيته بالموضوعية إلى أبعد حد ممكن، بعيدا عن آفة الهوى، حيث استطاع أن يفصل بين مشاعره تجاه شخص ما وتقييمه لعمله، فنجده ينتقد ما يقوم به من يحب ويشيد بأعمال من يختلف معهم في الرأي، وانعكس ذلك على رؤيته السياسية أيضا، فبالرغم من أن محفوظ وفدي حتى النخاع، بحكم أنه فتح عينيه ومداركه على ثورة 1919، والتي ظلت مشاهدها محفورة في وجدانه، ودفعه ذلك إلى اتخاذ موقف مضاد لثورة يوليو منذ الوهلة الأولى، ولكنه وبموضوعية، أخذ يتعامل مع الأحداث ولم يتشبث برأيه الأول، فبدأت رؤيته تختلف تجاه ما حدث في مصر بعد عام 1952 وخاصة فيما يخص تقييمه لزعيم الثورة جمال عبد الناصر.

«مصر ليست مجرد وطن بحدود؛ ولكنها تاريخ الإنسانية كله!». من مقابلة معه

رغم التنازع بين الزعيم الجديد الذي بدأ يؤمن به والمتمثل في جمال عبد الناصر، والراسخين في فكره ونفسه مثل سعد زغلول ومصطفى النحاس، لكنه قدّر أمورا لم يعها الآخرون أو استنكروها، بل واعتبرها إنجازات أقرب إلى الإعجاز في فترة صعبة وقصيرة، مثل ترسيخ الجمهورية بدلا من الملكية التي سادت لقرون وكذلك الإصلاح الزراعي والتعليم المجاني، والأهم أن الشعب المصري بات يحكمه أحد أبنائه.

على الجانب الآخر؛ لم تمنعه مكانة هذا الزعيم في قلبه من أن ينتقد بعض المظاهر السلبية أثناء فترة حكمه، مثل غياب حرية التعبير وعدم وجود انتخابات وتعددية حزبية، وغير ذلك من الأمور التي تحتاج لإصلاح سياسي، كما استنكر ظاهرة الاعتقال والتعذيب التي سادت في ذلك الوقت.

بدا واضحا كذلك قدر الرضا الذي يشعر به محفوظ عن نفسه، وعن الأيام التي عاشها طالت أو قصرت، وما أنجزه خلالها، وكيف لا يكون هكذا وهو الذي قال:

«كيف نضجر وللسماء هذه الزرقة، وللأرض هذه الخضرة، وللورد هذا الشذا، وللقلب هذه القدرة العجيبة على الحب، وللروح هذه الطاقة اللانهائية على الإيمان، كيف نضجر وفي الدنيا من نحبهم، ومن نعجب بهم، ومن يحبوننا، ومن يعجبون بنا». من مقابلة معه

وإن لم يمنعه ذلك من السعي لتحقيق المزيد طالما القلب ينبض، فكان يتمتع بقدر كاف من التفاؤل الحذر، ولم يتحدث يوما عن اليأس، حتى عندما وقعت نكسة 67 كالصاعقة، كان من أوائل من نادوا بالتماسك عندما قال العبارة التي رددها آخرون بعده «لقد خسرنا جولة ولم نخسر المعركة بعد».

قدّر الأديب العالمي قيمة السعادة حتى وإن كانت قليلة، بل وضح أنه كان دائما يسعى إليها، وكأنه في حديثه هذا يحثنا كذلك على أن نبحث عن السعادة، التي تعد وسيلة مثلي للاستعداد من أجل تحقيق إنجاز، فلا يمكن لإنسان يستمتع بما يقوم به أن يفشل، وتلك حقيقة من واقع تجارب أكدها الكثيرون.

«عندما تتكاثر المصائب يمحو بعضها بعضا، وتحل بك سعادة جنونية غريبة المذاق،وتستطيع أن تضحك من قلب لم يعد يعرف الخوف». ثرثرة فوق النيل

أظهر نجيب محفوظ ذكاءه في أحيان كثيرة، عندما اعتاد أن يلقي ببعض العبارات المبهمة سواء في كتاباته أو في حواراته ، ويترك للقارئ أو المستمع الحكم عليها وفهمها كما يحلو له، وربما يكون في هذا أيضا نوع من التحاشي لإبداء رأي في أمر قد يفتح عليه باباً من المشاكل لا يحبذها، لأنها في كل الأحوال ستعطل مسيرته ككاتب، ومنها في حوارنا هذا قوله «قبلوه لهذا الاعتبار»، في إشارة إلى قبول ابن شقيقته في معهد السينما لأنه أخ لشهيد، فهل كان يقصد هنا أنهم لم يقبلوه كون خاله هو نجيب محفوظ أم أنه قصد شيئا آخر؟!.

أما المدهش في الأمر، أن نستشعر أحاسيس الشباب وتطلعاتهم عند نجيب محفوظ الذي كان قد تجاوز الثمانين عندما سجل هذين الحوارين، في الوقت الذي نشعر فيه اليوم بالعجز والشيخوخة لدى شباب لم يتجاوزوا الثلاثين، وهو أمر محسوس وغير مفهوم، أو بالأحرى يحتاج لدراسة أو أكثر لتحليل مثل هذه الظاهرة - التي كان يتمتع بها محفوظ وغيره من جيله والجيل الذي يليه - ولم يعد لها وجود، وإن كان هناك أمل لاستعادتها يوما أم لا.


1 نجيب محفوظ: «حسن الختام» كرم كبير من الله

في هذا الحوار يتحدث محفوظ عن همومه المختلفة على مدار حياته، منذ الصغر وحتى تجاوز الثمانين من عمره، تلك الهموم التي لم تمنعه من الاستمتاع بالحياة، فكان يسمع الأغاني والمقرئين، خاصة الشيخ رفعت، كما قرأ الكتب في طفولته قبل شيخوخته، والتي وصف الكثير منها فيما بعد بالرديئ، لكنه لم يخفي ذلك، كما لم يستحي من الاعتراف بتصديقه في صغره لما يكتب ضمن الترجمات من أحاديث نبوية وظنه أنها في النص الأصلي، وقد خص في حديثه الكاتب والمترجم محمد السباعي، وفيما يلي تفاصيل اللقاء الذي جرى يوم السبت 5 أغسطس عام 1995.

سلماوي: في الفترة الأخيرة دارت حواراتنا في أغلبها حول الموضوعات الآنية مثل البوسنة والقدس والسودان وغيره، أفكر اليوم أن نتحدث قليلا عن مسألة مختلفة، هموم الحياة وكيف تتغير خلال المراحل المتباينة، فبالتأكيد همومك في سن الشباب تختلف عنها في سنوات النضج، ويختلفان بالطبع عن سنوات التقاعد فيما بعد، وربما عن همومك الآن. فهل يمكن أن نبدأ من الوقت الحالي؟ ما هو همك الآن وأنت في هذه السن وهذا الوضع وهذه الحالة؟

محفوظ: بالنسبة لظروفي الخاصة، أكثر ما يهمني الآن هو العلاج والشفاء، هذا أهم شيء، لأني بدونهم أشعر بدرجة كبيرة من العجز، ولكن إن تحدثنا عن ما قبل تلك الظروف، فالشخص في مثل سني - خاصة عندما يشعر أنه فعل ما عليه وأدى المطلوب منه في الحياة يريد حقيقة حسن الختام، بأن يطمئن على ذويه، الأهل والأصدقاء والبلد، وأن تكون النهاية سهلة، لأن الناس تترك هذه الدنيا على أحوال مختلفة، أوقات يتركونها وكأنهم في نزهة دون أن يدروا، وأوقات أخري يخرجون منها بعناء شديد، فأنا لي أخوان، أحدهما أصيب بالسرطان وكانتا الجمعتان الأخيرتان من حياته صعبتين جدا، والآخر توفى وهو يشرب شايا مع ابنه، وهذا كرم كبير.

سلماوي: قرأت كتابا ذات مرة عن تاريخ حياة الدالاي لاما قائد التبت، يشرح فيه فلسفته، فقال أن الشخص عندهم عندما يقترب من نهايته ويتعذب، يكون ذلك من وجهة نظر الكهنة دليلا على أنه ليس مستعدا بعد الانتقال للحياة الأخرى ولذلك هناك قدر من المقاومة والتشبث، فيأتي هؤلاء الكهنة ليأهلوه ويحضروه للانتقال فينتقل بسهولة ويسر دونما هذا العناء.

محفوظ: هذه المسألة إن صحت، أظنهم أهم من أي دكتور.

سلماوي: ولكن الفارق أن الشخص في النهاية يموت، وهو ما لا يسعى إليه الدكتور.

محفوظ: الموت علينا حق وآت لا ريب فيه، نحن نطلب فقط تخفيف الحكم.

سلماوي: لنفسر الآن ما قلته لي حول رغبتك الاطمئنان على ذويك، ودعنا نبدأ من الأكبر، إن تحدثنا عن البلد مثلا. ما الذي تحب رؤيته فيها لكي يطمئن قلبك؟

محفوظ: أن تستقر سياسيا، ولا تبدو وكأنها ينقصها شيء، مثل ما نفتقده الآن من العدالة الاجتماعية والأمل في المستقبل، أريد أن أجدها بلد مستقر فيها الحكم القائم على الديمقراطية، يعرف أهلها من يستحق الحصول على السلطة في الوقت المناسب، ويدرك الشعب دوره وكيف يحاسب من أتى بهم وإن كان من الصحيح تأييدهم أم عزلهم، وبذلك ستكون هناك شبه وحدة وتضامن، تحت أي مسمى، فأنا لا تهمني الأسماء، إنما المهم أن أهل هذه الرقعة من الأرض كلهم يشتركون في حمل مسئوليتها لأنها تخصهم وهم يعيشون فيها، لا أن يكون منهم من يعمل والآخرون يتطلعون عليه فقط.

الشيء الآخر، أتمنى أن يبشرني الخبراء بأن مشكلتنا الاقتصادية تم حلها، وأننا - الحمد لله - استقرينا ماليا وليس هناك خوف ولا انهيارات ولا غيره، هذا سيتبعه أشياء كثيرة، الاستقرار السياسي والاستقرار الاقتصادي، ستقل البطالة والعشوائية والإرهاب، وسيحدث للبلد ما نسميه الصحة النفسية، بحيث يصبح الفرد في مصر صحيح نفسيا وليس مريضا أو ينقصه شيئ، مع ضرورة أن نتحمل نصيبنا من السلبيات بالطبع، حتى لا يظن أحد أني أعيش في خيال، وأنني أطلب الكمال الذي لا يتحقق، بالتأكيد سيكون هناك قدر من البطالة، وقدر من الفساد، وقدرا من العشوائية والاضطرابات، كل هذا جائز وموجود في أفضل البلاد وجميعها، فأجمل البلدان وأعظمها تقدما فيها نسبة انتحار مهولة، ولذلك نحن نرضى بالواقع ولكننا نريد على الأقل أن يكون عندنا استقرار سياسي واستقرار اقتصادي، فعلى هذين الاثنين ستقوم أشياء كثيرة جدا وستنصلح الأخلاق وتتقدم الثقافة ونصبح بلدا سعيدا على قدر ما يمكن أن نصف بلدا بالسعادة.

سلماوي: وهل تتوقع أن ما بقي في عمرك وعمري يكفي للوصول إلى هذا؟

محفوظ: في عمرك أنت إن شاء الله.

سلماوي: أنت متفائل جدا يا أستاذ نجيب، هذا يعني - من وجهة نظرك - أن ذلك يمكن تحقيقه في القريب العاجل.

محفوظ: بالطبع، هناك إنجازات تتم وتقدمات، والبلد لا يخلو من مخلصين لن يتركوا البلد في هذا الحال.

سلماوي: هذا بالنسبة للبلد، ماذا عن المعارف؟ كيف تريد الاطمئنان عليهم؟

محفوظ: بأن تستمر علاقتنا كما هي جميلة، وأن أراهم - كما أتمنى لمن أحبهم - بالصحة والعافية وتحقيق الآمال وعدم الحاجة.

سلماوي: وبالنسبة للأسرة؟

محفوظ: - على الأقل - مثلما تمنيت للمعارف.

سلماوي: بأن يحقق كل فرد فيها ذاته بالطريقة التي تعجبه؟

محفوظ: التي تعجبه وتسعده.

سلماوي: بالنسبة لصحتك يا أستاذ نجيب، أرى أنك سليم معافى، أتحدث معك وروحك المعنوية مرتفعة كما هي، لماذا تشعر أنك مازلت لم تشفي؟

محفوظ: في الحادثة الأخيرة اقتضت حالتي عملية، وقد كانت ناجحة جدا، فإذا كانت المسألة تقف عند هذا الحد لفعلت ما أريد ولم اهتم لشيء أبدا، ولكن الظاهر أن الارتطام كان له رد فعل على يدي، فاحتاجت لعلاج طبيعي استغرق بدوره مدة طويلة، فبدون الشفاء يحّس الإنسان بالعجز، لأنه لا يستطيع القيام بأي وظيفة حيوية في حياته وحده.

(أوضح لنا الأستاذ سلماوي أن ما يشير إليه محفوظ هنا هو واقعة تعثره في المنزل، حيث وقع على ذراعه التي كانت تماثلت للشفاء بعد محاولة الاغتيال التي تعرض لها وعاد يكتب بها، لكن وقوعه عليها شلّها تماماً ولم يعد يستخدمها حتى نهاية حياته).

سلماوي: ماذا تقصد بالوظائف الحيوية؟

محفوظ: الطعام مثلا؛ لا يمكنني أن أكل إلا بيد واحدة، ولن يكون الطعام أبدا كاملا، لابد أن يساعدني شخص آخر، وكذلك في كل ما أفعل، فلا أستطيع الذهاب لمكان وحدي، بسبب -أيضا- أن ما حدث تصادف معه ضعف البصر، والسمع الذي أعاني منه من قبل.سلماوي: رغم ذلك، هناك من هم أصغر كثيرا منك ومقعدون تماماً.

لاشك أننا نحمد الله على جميع الأحوال، لأنه كما قلت؛ هناك الأصغر سنا والأسوأ حالا، بل وشباب أيضا، لذلك نحمد الله غير ساخطين ولا متمردين.

سلماوي: إذا، لماذا إحساسك دائما بأنك مازلت مريضا؟.

محفوظ: عندما يفقد الشخص نعمتي البصر الكبيرة والسمع، فيصبح عاجزا عن القراءة ومشاهدة فيلم في التليفزيون أو سماع أغنية أو أحاديث، ينقطع بينه وبين العالم جزء كبير من أسباب المتعة والتسلية.

سلماوي: قبل الحادثة والمرحلة الآنية، ماذا كانت همومك؟

محفوظ: قبل الحادثة لم يكن شيئ يهمني أو يضايقني إلا ضعف السمع والبصر، لأنك لا تتصور كيف كنت قارئا نهما ومتنوعا.

سلماوي: كم ساعة كنت تقضيها في القراءة؟

محفوظ: اليوم كله كان ما بين قراءة وكتابة، وفي بعض الأوقات كنت أجلس أمام التليفزيون عندما يعرض شيء جيد، وهكذا، أما الأذن؛ فكنت أسمع الغناء بكل أنواعه، وقبل كل ذلك المقرئين، مثل الشيخ رفعت، ولكن كل ذلك ذهب الآن.

سلماوي: أمازلت تذكر صوت الشيخ رفعت؟ يقولون إنه مختلف تماما عن التسجيلات التي نسمعها.

محفوظ: في الحقيقة، أنا لم أسمع سوى التسجيلات، ولكن «لسميعة» خبروني أن هناك من صنعهم الميكروفون، ولولاه ما كانوا وجدوا على الساحة، مثل الشيخ رفعت وليلى مراد وعبد الحليم حافظ، فهؤلاء جميعاعندما يستمع لهم الناس على الطبيعة لا يجدوا في صوتهم شيئا، هذا ما أخبروني به والله أعلم، بأن الذي خلقهم من جديد وجعل لهم الأصوات الرنانة وأوصلهم لكل قلب هو الميكروفون، وكذلك الشيخ على محمود، خاصة في التوشيح النبوي مثل «يا آل مصر هنيئا فالحسين لكم».

سلماوي: أين كنت تسمعها؟

محفوظ: في سيدنا الحسين، منه شخصيا في الليالي التي كان يحيي أغلبها هناك.

سلماوي: تلك الفترة كانت قبل نوبل، في بداية تأثر السمع والنظر. أليس كذلك؟

محفوظ: موضوع السمع قديم، منذ كنت مع الأستاذ يحيى حقي في مصلحة الفنون، خلال أيام الاعتداء الثلاثي عام 1956، بدأ معي بأشياء بسيطة مثل «وش»، فذهبت للدكتور؛ أخبرني أنها حالة لا يمكن علاجها وطلب مني احتمالها وتمني ألا تزيد، وأظن أنه كان يعلم أن هذا ما سيحدث، فظلت تستفحل وتستفحل بالتدريج حتى وصلت لهذا الحد، أما النظر فهو أحدث، أظن بعد نوبل مباشرة أو أثناءها أو قبلها بثوان، لكن كنت استخدمه، فقط أقوم بتغيير النظارة أو الاستعانة بمكبر، فكنت اقرأ واعتمد على نفسي.

سلماوي: لم يكن هناك الحاج صبري وقتها؟

محفوظ: لا

سلماوي: وماذا عن فترة الشباب يا أستاذ نجيب؟

محفوظ: الشباب همومه كثير، لكن خسارة، حقيقي لا نعرف قيمته إلا عندما نتركه، لأن كل منا في هذه المرحلة يريد إعداد نفسه للفن الذي سيخصص حياته له ويريد أن يتدرب عليه ليتفوق فيه، والطموح الثقافي لا يكون له حد، فتصور له الأحلام بأنه سيصل باجتهاده، بالإضافة إلى بعض الهموم الشخصية في ذلك السن التي تتعلق بالحب وغيره، فالشباب همومه جميلة، عندما تنظر لها من بعيد تجد أن كلها عواطف لطيفة وحماس للعلم والثقافة والمثل العليا، والحماس لرجال السياسة الذين نعتبرهم أبطال مثل سعد زغلول ومصطفى النحاس وغيره.

سلماوي: في رأيك، فترة الشباب تبدأ من أي سن وتستمر حتى كم سنة؟

محفوظ: بعيدا عن دقة مصطلحات السيكولوجي، الشباب في رأيي يبدأ من سن 15 وحتى 40 عاما على الأقل، ولكن يعتمد ذلك على الصحة أيضا، فأنا اعتقد أني كنت شابا وأنا في الستين.

سلماوي: إذا، من سن 15 إلى 40 كانت المرحلة التي فيها الطموح والبناء والانطلاق.

محفوظ: والرغبة في الثقافة والتفوق وغيره.

سلماوي: من سن 40 وحتى نوبل هي مرحلة النضج والاستقرار، ماذا عن ما قبل سن ال 15 عام وأيام الطفولة. هل كان عندك هموم؟

محفوظ: بالطبع، هناك هموم شخصية كثيرة، في علاقة الشخص وتعامله مع أصدقائه، ومع والديه والمدرسين، فأنا بدأت -وهذا شيء غريب- همومي السياسية من سن 10 أو 11 سنة.

سلماوي: أنت حضرت ثورة 1919 وعمرك 7 سنوات.

محفوظ: نعم، لقد جعلتنا الظروف جيل سياسي، حتى أنني قبل أن اقرأ الجرائد، كنت قد تعرفتعلي وطنيين انتمي إليهم وآخرين نسميهم خونة.

سلماوي: وفي علاقاتك الشخصية، هل كان عندك هم معين، كمحاولة الاندماج مع الناس مثلا؟

محفوظ: أنا دائما لي أصدقاء كثيرين، ولكن مع ذلك عندي أوقات عزلة ووحدة لا أحب أن يتطفل عليها أحد أبدا.

سلماوي: ماذا تفعل فيها؟

محفوظ: لقد شبكت بالقراءة منذ سن 12 عام، وكان يمكن أن يحدث ذلك قبلها، ولكن لم تكن لدينا كتب أطفال أو القراءة للجميع وتلك الأشياء الجميلة.

سلماوي: هذا يعني أنك عندما بدأت تقرأ كانت قراءاتك لكتب الكبار؟

محفوظ: لم يكن موجودا غيرها، وللأسف بدأت باسوأها، قصص بوليسية ولصوص وآرثر لوبين وهكذا، فتلك الأشياء لا تربي الذوق، لقد استطعت -حقا- أن أربي نفسي وأنجو، وأن أستفيد من المناخ الذي أعيش فيه وأنتمي لأكبر مجموعة ثقافية ممكنة في تاريخنا الحديث، مثل طه حسين والعقاد والمازني وهيكل وسلامة موسى وبعدهم توفيق الحكيم، استطعت بعد أن بدأت بابن جونسون أن أخطف ذوقي من تلك الكتابات وأنتبه لغيرها ن الأشياء الرفيعة، لأننا -أيضا- بعد أن كبرنا وأصبحنا نقرأ كتب مترجمة، عرفنا أن هؤلاء ليس لهم أي اسم حتى في بلادهم، فالأدب الإنجليزي مثلا لا يعرف شيء اسمه تشارلز كارفز.

سلماوي: ومن هو ابن جونسون؟

محفوظ: جونسون كان لص مشهور، ترجم حافظ نجيب سلسلة الكتب التي كان بطلها، عندما انتهت القصص بموت جونسون، وكانت ناجحة جدا، اخترع له المترجم ابن، هو ابن جونسون، وبدأ ينشر قصصا جديدة عنه ويقدمها باعتبار أنها مترجمة.

سلماوي: هذا يعني أنه عمل مؤلف وليس مترجما؟

محفوظ: نعم، ولكنه كان يكتب ترجمة لكي يباع، فكثيرين كانوا يكتبون قصصا وعليها عبارة «مترجم عن الفرنسية» وهي ليست كذلك، وكان السباعي من أهم من يترجمون الأدب الفرنسي، لكنهم كانوا يترجمونه مع تصرف، فيصح مثلا أن يكتب المترجم في منتصف قصة فرنسية حديثا نبويا، وكنت حينها أصدق ذلك وأقول «يا سلام، الكاتب الفرنسي الكبير جي دي موباسان عارف الرسول ويستشهد به»، وأشياء مثل تلك.

سلماوي: لكن أكيد تلك القصص ساهمت في تكوينك ومعرفتك بالحبكة القصصية؟

محفوظ: بدون شك، وكان فيهم كتاب جيدين مثل رايدر هاجرد وهول كين، ممن كتبوا عن مصر القديمة، وقد يكون هذا كان له أثر في أنني ابتديت بالكتابة عن مصر القديمة، ولو أنني أرجع السبب الأساسي لذلك إلى اكتشاف قبر توت عنخ أمون، لأنه جعل للفرعونية سمعة رنانة كبيرة واهتماما دوليا.

سلماوي: كم كان يبلغ عمرك، أظن هذا عام 1922؟

محفوظ: كان عمري 10 سنوات أو 11 سنة، وأتذكر حتى خرافاتها، عندما كانوا يقولون أن من يعمل في المقبرة حلت به لعنة الفراعنة فماتوا كلهم.

سلماوي: منذ ذلك الحين وإلى جانب الزيارات التي كنت تذهب فيها مع والدتك والقراءات، أنت مهتم بمصر القديمة؟

محفوظ: بدون شك.


2 نجيب محفوظ: تأميم القناة كان تاريخياً فاصلاً في تغيير عواطفي نحو عبد الناصر

بعد ثلاث سنوات من اللقاء السابق، كان هذا الحديث بين الكاتب محمد سلماوي والأديب نجيب محفوظ، في السادسة من مساء السبت 19 سبتمبر عامت1998، لم يتخلو فيه محفوظ عن حكمته وتفاؤله، فتحدث عن جمال عبد الناصر وكيفية تحول مشاعره تجاهه من الرفض إلى الحماس، ثم انتقل إلى الحديث عن كتاب «مذكرات نجيب محفوظ» لرجاء النقاش، الذي يتناول حياته ويكشف الكثير من أسرارها، حيث أوضح محفوظ أن ما قرأه من الكتاب به عدد من الأخطاء التي لا يعرف مصدرها.

سلماوي: ما حقيقة شعورك نحو الزعيم الراحل جمال عبد الناصر؟

محفوظ: عندما بدأت الثورة كان موقفي رافضا، فباعتباري وفديا قديما كنت أتمني أن يصنعوا همزة وصل مع الوفد وليس مع أي حزب آخر، هذا كان إحساسي في أول الثورة، واشتد نفوري منه بعد ما حدث مع محمد نجيب، عندما ضحي به بعدما اعتبرناه هو رمز الثورة والتغيير والجمهورية وكل تلك الأشياء، لكن أتذكر أن التغير الأساسي الذي حوّل عواطفي تجاهه إلى زعيم هو تأميم القناة، هذا أثر في بشدة وجعله عندي في مكانة كبيرة، وعندما قام بتنفيذ العدالة الاجتماعية تهيأ لي أنني لا يجب أن أحزن كوفدي، لأن الوفد يبعث من جديد في عصره، كانت مشكلة الوفد الاستقلال، وهؤلاء حققوا الاستقلال والعدالة الاجتماعية، حتى الأخطاء التي حدثت وتكلمت عنها في الكتب مثل حرب 67، كل ذلك لم يهز مكانته كزعيم مصري، كما أنه وضع ثوابت جديدة مثل الجمهورية، وغيّر الطبقات المصرية وهذا شيء جديد، فلأول مرة تنقلب البلد، من بالأعلى ذهب ومن بالأسفل ارتفع وضعه نحو الأعلى، أشياء ثابتة بدون شك جعلته يكون في نفسي كبيرا جدا، حقيقي كان هذا الكبر مشوب بخوف مما أسمعه يحدث مع المعتقلين من الشيوعيين والإخوان، وكنت أشعر بالضيق على ابن الشعب الذي فعل تلك الأعمال الشعبية الهائلة، أن يكون سوط عذاب لبعض المصريين، ولذلك حبي كان مشوبا بشيء من الخوف والتوقع دائما، إنما يوم موته كان هزة عنيفة جدا لي بدون شك، وأنا جالس هنا مع زوجتي عندما نعاه أنور السادات، شعرت أيا كان ما حدث لمصر، إذا كان عندنا ذرة أمل في تغيير فهي كانت موضوعة في ذلك الرجل ومات، ولذلك مثل لي رحيله من هذه الناحية صدمة عنيفة جدا، وشيء آخر يتعلق بالناحية البشرية ليس له علاقة بالسياسة، بأني شعرت أن الموت قريب جدا، لأنه إذا كان أخذ هذا الرجل العظيم؛ من سيكون عزيزا عليه؟، فنحن جزئيا متنا معه، وشعرت أننا حقيقي نقول كلمة ونرددها بأن «كلنا ميتون وسنموت»، ولكن هذا يختلف عن شعور الموت وهو يدخل في جوف المرء.

سلماوي: هناك كتاب كثيرون كانوا يشيدون بجمال عبد الناصر وقت حكمه ويعلنون الولاء له لأي قرار يتخذه، وما إن توفى إلا وانقلبوا عليه وقالوا العكس.

محفوظ: الحمد لله لا يمكن أن تضعني في هذه الخانة أبدا، لأنه في أثناء حياته وسطوته وجبروته كنت أكتب أدبا يعتبر ضغطا ذاتيا على الأقل، فأنا من كتبت «ذاك القطار»، «الخوف»، «ميرامار» و«ثرثرة فوق النيل»، لذلك لا يمكن أن تقول أنني كنت أهلل لكل شيء يفعله، وأنني بعدما مات انقلبت عليه، بالعكس، ما كنت أكتبه في شكل أدبا صرحت ببعضه، إنما في جميع الأحوال لم تكن هناك الكراهية التي شعرت بها نحو زملائه في أول الثورة، هذه حقيقة أقولها لك بصراحة، فأنا رجل وفدي قديم ورأيت أنهم يسرقون منا الشعب بالقوة، وأن هذا ليس عدلا، كان يمكننا تقبل ذلك بالانتخاب ومعه تعظيم سلام، لكنهم أخذوا السلطة منا مثل الملك بالقوة، ولذلك لم أكن راضيا، وازداد ذلك بعد عزل محمد نجيب، الرجل الذي دخل قلوبنا بشخصيته، إنما خلق عبد الناصر خلقا جديدا في تأميم القناة، هذه عملية أظنها كحرب وانتصرنا فيها.

سلماوي: حتى أعمالك التي كتبتها بعد وفاته وفيها نقد مثل «الكرنك» تعتبر استمرارا للخط الناقد الذي بدأته قبل ذلك.

محفوظ: استمرار للخط السابق، ولم تمسه شخصيا، فأنا لا أذكر في أي رواية قبلها أو بعدها أني ذكرت اسمه بسوء أبدا أو من يرمز إليه، هناك آخرين يتحدثون في أمور شخصية ولكني حتى الآن لم اقترب لهذا الموضوع.

سلماوي: هذا يعني أن نقدك سياسي بحت قد يصيب أو يخطيء؟

محفوظ: كان هدفي بأن أنقد وأكتب كل شيء ولكن منزلة جمال عبد الناصر ظلت دائما منزلة زعيم في قلبي.

سلماوي: وماذا عن حرب السويس والتحدي الذي حدث أثناء الحرب، لقد تحدثت عنه باستفاضة في مذكراتك مع رجاء النقاش؟

محفوظ: نعم، وذكرت كيف بدأت أشك في تأميم القناة الذي رفعه للسماء وأدخله في أعماق قلبي بالنتائج، فإلى جانب استقلال البلاد الذي كان سيضيع عندما نزل الإنجليز والفرنسيين أرض مصر، بدا تأميم شركة شيئا فارغا جدا.

سلماوي: لقد قلت في الكتاب أن طارق ابن شقيقتك استشهد في هذه الحرب، فهل كان لذلك دخل في موقفك من التأميم الذي أدى إلى الحرب؟

محفوظ: طارق ابن أختي مازال حيا، يعمل في السينما الآن، أنا من أدخلته المعهد، لأنه أخ لشهيد، فقد قبلوه لهذا الاعتبار.

سلماوي: ولكن رجاء في الكتاب ذكر أنه استشهد.

محفوظ: أبدا، لا أعرف من أين جاءت هذه الغلطة، ولكن من الصعب أن أغلط بلساني وأقول مثلا أن ابن أختي هذا مات وهو حي، استبعد ذلك تماما، لا أعرف كيف حدث هذا، ربما لأن رجاء كان يستعين بآخرين في التفريغ.

سلماوي: هل الحج صبري قرأ لك مسودة الكتاب؟

محفوظ: لا، من قرأ لي بعض فصول منه صغيرة هو زكي سالم، لكن ذلك كان بعد صدوره، كنا نذهب معا إلى المركبة فرح بوت للقاء الأصدقاء، وكان زكي يأتي ليأخذني بالأوتومبيل، وكنا نجلس هناك ما بين نصف ساعة لربع ساعة وحدنا حتى يصل الآخرون، في هذا الوقت كان يقرأ لي.

سلماوي: لقد أخبرني جمال الغيطاني أنه كان يذهب أكثر من مرة مبكرا فيجده يقرأ لك.

محفوظ: هذا صحيح، ولكنها «فتافيت»، ففي هذه الفترة، يقرأ لي ورقتين أو ثلاثة، وأول شخص يحضر كان جمال الغيطاني، لكني إلى الآن لا أعرف مثلا شيئا عن الجزء السياسي في الكتاب، لأننا لم نصل له.

Comments