د.غادة جبارة عميد المعهد العالي للسينما: مستقبل السينما مشرق جدًا

تولى الكاتب والسيناريست الراحل سعد الدين وهبة رئاسة مهرجان القاهرة السينمائي لمدة 13 عاما حتى وفاته عاما 1997، ومن حينها انقطعت الصلة بين المهرجان ومعهد السينما، إلى أن تولى الناقد سمير فريد المسئولية العام الماضي وأعاد تلك الصلة، هنا توضح د.غادة جبارة عميد المعهد العالي للسينما كيف تمت هذه المسألة.

تقول: «كان وهبة يقدّر قيمة المعهد وطلابه وأساتذته، فكان يرسل لنا كارنيهات مثل النقاد والصحفيين؛ لحضور كافة العروض والحفلات، منذ وفاته تناسى القائمون على المهرجان تماما أن هناك شيئا اسمه معهد السينما، فلم تكن هناك أي دعوة توجه حتى للمسئولين عنه أو إدارته، كنا نكتشف أن مهرجان القاهرة سيقام عندما نرى البوستر الخاص معلقا في الشوارع مثل أي شخص».

وتستطرد جبارة: «فوجئت العام الماضي باتصال من الأستاذ الفاضل سمير فريد عندما تولى رئاسة المهرجان، يخبرني عن نيته إقامة برامج موازية للمسابقة الرسمية على غرار المهرجانات الكبرى، وأن من بينهما برنامج «سينما الغد» الذي يعني بأفلام الغد وسينما الشباب والمستقبل، سعدت جدا بذلك وبدأنا في التحضيرات لمدة عام ونصف قبل الدورة الماضية، تضمنت اجتماعات تحضيرية كثيرة، لأنه كان يريد للمهرجان أن يخرج بشكل مختلف ومتميز، فخبرته كبيرة وأطلّع على الكثير من المهرجانات حول العالم وأراد أن ينقل أنجح التجارب إلينا».

بعد مغادرة فريد للمهرجان شعر القائمون على البرنامج بالقلق من أن يتم إلغاؤه، ولكن د.ماجدة واصف أخبرتهم بأنهم مستمرون، باستثناء بعض المشاكل المالية، التي استطاعوا تجاوزها والخروج بهذه الدورة، حيث أصبحت وزارة الشباب والرياضة هي الداعم الرئيسي لبرنامج سينما الغد، وعلى أثر ذلك حدثت بعض الفروق عن العام الماضي، أولها كما توضح جبارة هو إلغاء كلمة برنامج وتبديلها بمسابقة، فأصبحت تحمل معنى المنافسة، كما أقيمت على هامش المهرجان مسابقة موازية تنبثق من سينما الغد للأفلام المصرية من مختلف الجامعات، ضمت 10 أفلام مترجمة، شكلت لها لجنة تحكيم برئاسة على بدرخان ود.يحيي نظمي والمخرج شريف عماشة، اختاروا 3 أفلام للفوز بجوائزها.

تخضع فعاليات البرنامج لبروتوكول بين المعهد ووزارة الثقافة وإدارة المهرجان، وينقسم إلى مسابقة أفلام الطلبة لمدارس السينما ومسابقة الأفلام القصيرة للمحترفين، يحصل الفائز في الأولى على جائزة باسم محمد كريم باعتباره أول عميد لمعهد السينما، قيمتها 20 ألف جنيه، ويحصل الفائز في الثانية على جائزة يوسف شاهين وقيمتها 30 ألف جنيه.

عن اختيار جبارة للمخرج سعد هنداوي لإدارة البرنامج، تقول: «وقع اختياري عليه لما له من خبرة واسعة في مسألة المهرجانات، كما أنه زميل عزيز وأحد خريجي المعهد، ومخرج معروف، واستخدمت أيضا طلبة المعهد لأني أردت أن يتدربوا، وقد نجحت الدورة الماضية وأحدثت صدي كبيرا، وهذه الدورة كما رأينا؛ الطلاب يحضرون فيها بدون أي تكليف، فلو عملنا إحصائية لمن يأتون للأوبرا ويحضرون الأفلام سنجد 70٪ منهم من طلبة المعهد، لم أحبذ الشكل الإلزامي أو المدرسي، لأني أريد غرس شعور بداخلهم يلزمهم بحضور المهرجان بدون طلب من أحد، لأنهم فقط يريدون ذلك، وأن يشعر كل منهم بمسئولية تواجده في المهرجانات لأن هذا جزء أساسي من تكوينه، أن يتعرض لثقافات مختلفة ويشاهد أفلاما جديدة ويتناقش مع شباب المبدعين، ويصبح ملتقى فني في حد ذاته».

وكما تتوجه الأفلام للشباب، فالاختيار أيضا يخضع لهم، تقول جبارة: «لجنة المشاهدة بالكامل من الطلبة، شاهدوا أكثر من 350 فيلما واختاروا منهم 30، أنا نفسي أشاهد الأفلام مثل لجنة التحكيم لأول مرة، فقد اخترنا مجموعة من المتحمسين الذين لديهم استعداد وتحمل لمشاهدة أكبر قدر ممكن من الأفلام وطاقة تساعدهم للاستكمال حتى النهاية، ومن سنين دراسية مختلفة، فليس لي أي تدخل في اختيار الأفلام».

وكذلك تم اختيار لجنة التحكيم أيضا، فاختير المخرج النيجيري بيي باندل رئيسا، ولكنه اعتذر بعد الأحداث الأخيرة، وحل محله المخرج أحمد ماهر، كما وقع اختيار سعد هنداوي مدير المهرجان على آسر ياسين ودرة، وهو ما رحبت به جبارة: «سنهم صغير وروحهم شبابية مما سيجعلهم يتفاعلون مع الأفلام مثل صناعها، وهو ما حدث بالفعل، وقد نجحت المسابقة في جذب الشباب، فالقاعة تسع 130 مقعدا ومن يقفون في الخارج ضعف من يدخلون، على مدار أيام المهرجان بالكامل، لأننا لدينا برنامج ثابت لم يتغير ولا مرة، وقواعد صارمة أقرها سعد هنداوي يتبعها الأولاد، لا أحد يستخدم الموبايل أو يخرج أثناء عرض الفيلم، هناك دقيقة بين كل فيلم وما يليه لمن يريد الخروج أو الدخول، لم نتخط تلك القواعد منذ العام الماضي وحتى تلك الدورة».

وعن أفلام المسابقة التي تعبر عن مستقبل السينما وتنبأ به، تقول جبارة: «الأفلام التي شاهدتها هنا في مسابقة سينما الغد كلها تعبر عن مستقبل غيرنا وليس مستقبلنا، فلم أشاهد شيئا يخصنا، ولكن فيما يخص غيرنا هناك تقدم هائل، سواء في التكنولوجيا أو في الأفكار، هناك فكر وعين مختلفتان وطازجتان، أنا حقا أشفقت هذا العام على لجنة التحكيم ومهمتهم في اختيار الفائزين، لأن المستوى عال جدا مما وضعهم في حيرة، ولذلك أنا أرى مستقبل السينما بشكل عام مشرق جدا، فالأفلام مدمجة ومتكاملة بشكل متميز، عندما أشاهدها أتساءل: يا ترى أيهما الأسبق؛ الفكرة هي التي أوصلتهم لتلك التقنية أم التقنية التي أوصلتهم للفكرة، فالمستوى راق جدا».

أما بشكل عام عن مستقبلنا نحن، فتكمل: «يمكن أن نتحدث عنه من واقع أفلام المعهد، نحن - الحمد لله - متقدمون وعندما نقيم عرضا يهتم به الكثيرون ويحضره نقاد وصحفيون ويثنون جدا على الأفلام، نمَثَل في المهرجانات المحلية والدولية، أفلامنا في العالم كله، وقد حصلنا مؤخرا على جائزتين في روسيا، وأخرى من المهرجان القومي للسينما».

عن المهرجان بشكل عام وما أثير حوله من انتقادات وأقاويل، تقول جبارة: «لابد أن نضع في اعتبارنا أن المهرجان لا يمنح جوائز مالية كبيرة، كما أن هناك مشاكل كبيرة في البلد وحدثت كوارث كثيرة في الفترة الماضية وقبل المهرجان بالتحديد، فما الذي سيجعل المبدع الذي صنع فيلما أن يأتي هنا لعرضه كمشاركة أولي؟ بالطبع سيذهب لآخر يدفع نقودا أكثر، فلابد من وجود أي ميزة، حتى الاستضافة أيامها محدودة، عندما يأتي الضيف من الصين أو الأرجنتين أو اليابان ويستغرق في السفر يوما ونصف اليوم ليمكث هنا 3 أيام، ما الهدف أو الدافع الذي سيأتي له؟ لا جوائز مالية أو استضافة طويلة نسبيا تتضمن برنامجا ترفيهيا، بجانب الوضع المقلق في مصر، ففي رأيي؛ فكرة إقامة المهرجان في حد ذاتها رغم كل الظروف والعوائق التي تقابلنا إنجاز، أيا كانت نتائجه».

وفي تفاصيل المهرجان؛ ترى جبارة نصف الكوب الممتلئ، حيث أن المسابقة الرسمية مستمرة ولم يتم إلغاء أي عروض أو حدوث مشاكل، وتضيف: «كما أن إقامة جميع العروض في مكان واحد منذ العام الماضي وهو دار الأوبرا، يولد شعورا بأنه عرس ثقافي أو احتفالية كبيرة، إلى جانب الندوات الهامة التي أقيمت على هامش المهرجان، وورشة العمل التي تشرف عليها د.مني الصبان والتي ضمت مجموعة شباب من المهتمين بالسينما، فكرة أن يحدث ملتقى بين الثقافات المختلفة سواء الأوروبية أو الأمريكية وغيرها مع الثقافة المصرية يجدد الدم والروح، وعلى المستوى السياسي أو العالمي يطلق رسالة للناس جميعا أننا موجودون ونصنع مهرجانات رغم كل شيء، الأجانب الذين أتوا كانوا سعداء جدا ويريدون أن يأتوا مرة أخرى، فأحدهم أخبرني أنه لا يشعر بأي غربة وهو يمشي في الشارع، وأنه مطمئن جدا هنا وسعيد».

لتطوير المهرجان؛ تؤكد عميد معهد السينما أنه لابد من توافر عدة عوامل، أولها وجود مزيد من الدعم من قبل الدولة وأن تنفق على المهرجان أكثر، بالإضافة إلى أن يكون هناك رعاة رسميين أكثر، وتستكمل: «لابد أيضا من وجود جوائز قيّمة حتى نتمكن من الدخول في المنافسة مع المهرجانات الأخرى، ذلك إلى جانب ما لدينا من تاريخ وحضارة، فهناك أناس يأملون فقط في المجئ لرؤية الأهرامات، ولكن مع وجود جوائز مالية سيشجعهم ذلك أكثر، ومن الضروري أيضا صنع سوق للفيلم في مصر، بحيث أن الأفلام التي تأتي يتم تسويقها وبيعها وأن تحرص إدارة المهرجان على بعث مندوبين لها في كل المهرجانات الدولية المهمة والكبيرة على مستوى العالم مثل كان وساندانس وبرلين وغيرهم، لكي يسوقوا لمهرجان القاهرة السينمائي، فإن لم يذهب رئيس المهرجان أو مديره يرسلون آخرين للتسويق وليس مجرد نزهة».

أما عن المعهد، فالمشاركة بالمهرجانات تخضع لجهود الطلبة والمعهد معا: «لدينا في الأكاديمية قائمة بالمهرجانات الدولية التي نشارك فيها كل عام، والطلبة من جانبهم أيضا يسعون ويجتهدون لأن هناك مهرجانات جديدة تفتح كل يوم، فلأول مرة فيلم مصري يصل للمسابقة الرسمية في مهرجان كان، وفيلم آخر في المسابقة الرسمية لمهرجان قرطاج».

وبمجرد التخرج، لا ينسى الطلبة المعهد الذي درسوا فيه، ولكنهم يتواصلون في عدة أشكال، كما توضح د.غادة: «كثيرون ممن يعملون معنا في برنامج سينما الغد خريجو المعهد، وكثير من المخرجين الذين تخرجوا منه يهاتفونني عند دخولهم لتنفيذ فيلم جديد يطلبون أن أرسل إليهم طلبة للتمرن معهم، وكثير أيضا ممن يملكون استوديوهات ويعملون في مراحل ما بعد التصوير يعرضون خدماتهم للمساعدة في المعهد، وعندما أطلب من الخريجين أن يأتوا لمشاهدة أفلام الطلبة وتقييمها لا يتأخرون، هناك تواصل دائم».

ولأجل أن يستمر هذا التواصل مع الأجيال كلها، تسعى د.غادة جبارة هذا العام لعمل فاعلية جديدة، باسم «يوم الوفاء»، يتم فيها تكريم أول 10 دفعات من المعهد، سواء ممن هم على قيد الحياة أو الأسماء التي توفت، خاصة ممن عملوا في الحقل السينمائي، وفي نفس الفاعلية سيتم تكريم الموظفين القدامى الذين تقاعدوا، فتستطرد: «المعهد بالذات فيه ظاهرة مهمة، أن علاقة الأساتذة والطلبة والعمال والموظفين كعائلة واحدة، ليس هناك تراتبية».

Comments