سلوى بكر: نتظاهر بالمعاصرة لكننا ماضيون بامتياز

سلوى بكر، روائية وقاصة وكاتبة مسرحية، ولدت عام 1949، وتخرجت في كلية التجارة عام 1972، ثم حصلت على ليسانس النقد المسرحي عام 1976، لتبدأ بعدها طريقها الأدبي الذي حفل بعدد كبير من الأعمال، فكانت مجموعتها القصصية الأولى «حكاية بسيطة» عام 1979، ثم توالت كتاباتها، ومنها: العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء، عجين الفلاحة، وصف البلبل، البشموري، نونة الشعنونة، سواقي الوقت، وردة أصبهان، وغيرهم.

لا تحبذ الحديث عما تكتب من أعمال قبل انتهائها، وإنما تفضل أن تنشرها مكتملة لتتحدث عن نفسها، صدر لها مؤخرا رواية «شوق المستهام» والطبعة الثالثة من رواية «كوكو سودان كباشي»، كما صُعدت كعضو مجلس إدارة باتحاد كتاب مصر واختيرت نائبة لرئيسه، وحول كل ذلك دار حديثنا معها.

بداية .. لماذا «كوكو سودان كباشي» الآن؟

نشر محمد المنسي قنديل روايته «كتيبة سوداء»، ومع تقديري واحترامي له، لكن في كثير من الأحيان كان يشار إليها بأنها أول عمل يتعلق بالحملة المصرية في المكسيك خلال القرن التاسع عشر، فأردت التنويه بشكل من الأشكال إلى أن أول رواية تناولت عالم هذه الحملة هي «كوكو سودان كباشي»، التي صدرت الطبعة الأولى منها عام 2004 عن دار ميريت، ثم أعيد إصدارها عام 2008 بالهيئة العامة للكتاب، وجاءت طبعتها الثالثة خلال هذا العام. حتى أنني فوجئت أيضا بالدكتور جابر عصفور ينشر 4 مقالات عن «كتيبة سوداء» دون أن يشير إلى روايتي مجرد إشارة، لا أقول النقد ولا أتحدث عن التحليل ولكن حتى الإشارة.

يشغلك التاريخ، ودائما ما تسعين وراءه بالغوص في وقائعه المنسية، وهو ما حدث أيضا في رواية «شوق المستهام». ما السبب؟

ليس هناك ما يمنع أي كاتب من أن يقود عربة إبداعه في الاتجاه الذي يرغب فيه، ولكن أنا في الأساس معنية جدا بالتاريخ وقارئة له بامتياز، تشغلني أسئلته وأسعى إلى تجديدها، وإعادة النظر في الأدبيات التاريخية من خلال المسكوت عنه ومن خلال العلاقة بين الهوامش والمتون التاريخية، فهي أسئلة مازالت صالحة للاستخدام حتى الآن.

إلام تسعى «شوق المستهام»؟

أتصور أن الرواية واضحة في أسئلتها، فهي تتساءل عن القطيعة الحضارية واللغوية بيننا وبين لغتنا القديمة، وبيننا الآن وبين حضارتنا القديمة، وتحاول أن تضع يدها على أسباب تلك القطيعة، كما تتساءل أيضا عن كيف ساهم التعصب الديني والعنصري والعرقي، في إحداث قطيعة حقيقية أدت إلى ما نحن عليه الآن.

هل يمكن أن نعتبر ذلك نوعاً من البحث عن الهوية؟

بالتأكيد ولكن البحث عبر وثائق وطرق مغايرة، فأنا أتصور أننا أكثر شعوب الأرض وضوحا في هويتنا بما لدينا من تاريخ متراكم عبر آلاف السنين، وبما لدينا من ثبوت وشواهد تاريخية تؤكد مصداقية هذا التاريخ، على مستويات متباينة تتراوح بين الوثيقة المكتوبة وكافة العناصر الثبوتية المتعلقة بهذه الهوية، فتاريخنا لم ينبني على أساطير، وإنما على وقائع مدعمة يمكن تأكيدها والوثوق فيها.

لماذا نعتمد في تفسيراتنا في أغلب ما يتعلق بحضارتنا المصرية القديمة على ما يصل إلينا من الغرب؟

علم الآثار حديث نسبيا في تاريخ العلوم، عمره لا يتجاوز المائتي عام، وهذا العلم - لأسباب وملابسات كثيرة - نشأ وبني على أيدي الغرب، ربما بفعل الاستعمار أو تأخرنا وتخلفنا الحضاري، لن نعدد الأسباب الآن، لكن هذا العلم لم يتم بحثه حتى الآن بالدرجة الكافية وفقا لمعطيات علمائنا، ربما ما يطمئن أن هذا العلم أشبه بخدش على سطح الحضارة المصرية وما تركته وآثارها، ولذلك أظن أنه خلال السنوات القادمة سوف يعاد النظر في كل المادة المعرفية المنتجة من خلال هذا العلم وبرؤية ربما تكون أكثر مصداقية، فالآن؛ أصبحت هناك دراسات هائلة تتعلق بعلم اللغة ومصادر الأساطير المقدسة وغير المقدسة، تتعلق بتاريخية ولا تاريخية الشخصيات التي تتناولها الكتب المقدسة أي كانت.

هل ذهبت إلى الأماكن التي ذكرت بالرواية؟

نعم؛ زرت سمنود وشهدت بقايا معبدها، وذهبت أيضا إلى دندرة، ومنف آثارها مازالت باقية في الجيزة، ولكني للأسف لم أزر أخميم.

هل تصنفين كتاباتك ضمن الأعمال أو المراجع التاريخية؟

حاليا وعلى المستوى الأكاديمي؛ تعتبر الرواية التي تتناول الحدث التاريخي والتي تتحدث عن التاريخ وأسئلته، مصدر من مصادر المعرفة التاريخية، وهذا معمول به على مستوى جامعات العالم الآن، وفي ذلك؛ أظن أنني أقدم رواية المعرفة التاريخية، حيث أسعى إلى النظر في المعرفة التاريخية من خلال الرواية، لأن الرواية والإبداع لديهما مساحة غير قليلة من التحليل القادر على ملء الفراغات في كثير من الأحيان التي لا تتناولها الأدبيات التاريخية، هذه الفراغات أيضا من حسن حظ الرواية أنها تملأها بما لديها من قدرة على طرح الأسئلة الإنسانية المتعلقة بالعوامل الإنسانية.

في رأيك؛ لماذا العلاقة المضطربة دائما بين الدولة والمثقفين؟

التعميم والقفز إلى النتائج هما مشكلة ثقافتنا، فكل سياق تاريخي وسياسي واجتماعي يطرح علاقة مغايرة، والمشكلة - في رأيي - تكمن في أمرين؛ تعريف المثقف ثم جماعة المثقفين، فالسؤال الذي يجب أن نعيد النظر فيه هو: هل يوجد ما يسمى جماعة مثقفين؟ هذا ما يحدث الالتباسات، لأننا نقيس دائما على حالات فردية، فمثلا - في سياق - كان معظم من يطلق عليهم مثقفين قد خرجوا من معطف السياسة، وأتحدث تحديدا عن المرحلة الناصرية، الذين كانت ارتباطاتهم السياسية - على الأغلب - مع الاتجاهات اليسارية، فبعض هؤلاء تمت محاكمتهم محاكمات سياسية في المقام الأول وليست ثقافية.

من هو المثقف الذي تقصديه؟

تعريفي للمثقف في أبسط أحواله؛ هو منتج الأفكار الذي يزوّد المجتمع بأفكار تعينه على التقدم، فالمثقف لو نزل في مظاهرة أو شارك في حزب سياسي يكون مواطن، وإنما عندما ينتج أفكارا تتماشى مع الواقع وتعين المجتمع على النهضة؛ هذا هو المثقف، فحينما يقول طه حسين «التعليم حق لكل الناس» تكون تلك فكرة يمكنها النهوض بالمجتمع، وعلى ذلك؛ يمكننا أن نحاكم المثقف في علاقته بالدولة من خلال هذا المنظور ومن خلال السياق الذي يعيش فيه. ففي رأيي؛ الالتباس ناتج عن تعريف المثقف وجماعة المثقفين، حيث يوجد مثقفون، ولكن لا توجد جماعة مثقفين تشكل رأيا عاما، جماعة لديها ميثاق واتفاق يتعلق بقاسم مشترك أدنى من الأفكار التي تحدد موقف.

هل ينبغي أن يقود الحراك الثقافي السياسة. أم العكس؟

في جميع أنحاء العالم يفترض أن الحراك الثقافي يكون فاعلا في السياسة، لأنه إذا كانت الجماعة الثقافية أو المثقف له قيمة وكلمة مسموعة ضمن الهيئة الاجتماعية، فهو مؤثر في السياسة، ولكننا نعيش في مجتمع متخلف بالفعل، ومتخلف لا تعني الفقر أو المستوى المعيشي، ولكن لأنه مجتمع ماضوي بامتياز، الحداثة لم تتجذر فيه، فالصراع القائم فيه صراعا بين الماضوية والمعاصرة، ومن يزعمون أنهم حداثيون هم ماضويون بامتياز، ومن يتحدثون عن تجديد الخطاب الديني، الأجدى أن يتحدثوا عن تجديد الخطاب الثقافي، لأن الخطاب الثقافي السائد والأداءات الناتجة عنه شديدة الماضاوية، فنحن في حاجة إلى تجديده، وإلى أن نكون معاصرين على مستوى القيم والمفاهيم، فهذه هي الثقافة، ليس الشعر والأدب والرواية، وإنما كيف ننظر إلى هذا العالم وإلى أنفسنا وأداءتنا اليومية المختلفة من منظور قيمي، نحن في ذلك لسنا معاصرين على الإطلاق ولا نواكب العالم، فمازلنا عندما نفرح «نزغرد» وعندما نحزن «ننوح»، طرائق حياتنا تعود إلى الماضي رغم كل مظاهر المعاصرة الموجودة.

ما رأيك في حال الأدب حاليا؟

إيجابي، من منطلق «دع ألف زهرة تتفتح»، ولكن كم زهرة سوف تبقى في الحقل؟ وكم زهرة سوف تورق وتصير يانعة وفواحة الأريج؟ هذا هو الرهان، والإجابة على ذلك لا يمكن أن تكون قاطعة الآن، ففي زمن المتنبي كان هناك آلاف الشعراء، فكم منهم تبقي مثلما تبقى المتنبي؟، فالأدب والإبداع الذي يبقى هو الذي يخاطب ويهتم بالإنسان وشأنه، منذ بدء الخليقة وحتى الآن، هذا هو ما يتبقى، لذلك أقول للكتاب الشبان: «انظر حولك.. ما الذي تبقى من الأدب والإبداع على مستوى العالم؟ فأنت تريد أن تكتب قصص قد تغازل الذائقة الراهنة بكل ملابساتها ومشاكلها الراهنة.. افعل ذلك، ولكن عليك وأن تسأل نفسك.. هل هذا الإبداع الذي أكتبه سيصمد خلال الزمن؟» فالزمن هو الفيصل، إما يزيد الإبداع بريقا ورونقا ويثمنه أكثر أو يزول معه.

لكن الأعمال كثيرة جدا. كيف يختار القارئ بينها؟

ليست هناك طريقة للاختيار، نحن نحتاج إلى مزيد من الترشيد النقدي والارتقاء بالتعليم، كي نخلق ذائقة قادرة على الفرز والتفنيد، وحركة النقد متراجعة عن حركة الإبداع.

بعد تقلدك كأول كاتبة لمنصب نائب رئيس اتحاد الكتاب، ماذا تنوين لحل أزماته؟

لا أنتوي أن أفعل أي شيء بشكل فردي مهما كانت السلطات الممنوحة بحكم القانون، لأنني أرى أن العمل الجماعي المشترك والوصول إلى قرارات تتعلق بتسيير العمل في الاتحاد بشكل معبر عن مصالح الأعضاء، يجب أن يكون على نحو ديمقراطي بالتصويت والشفافية، فعندما نكون في مجلس إدارة ونختلف يجب أن نتواجه في حدود القانون والأدب.

Comments