مبارك ربيع‮: الرعية اليوم هي المسئولة عن الراعي‮!‬

ولد مبارك أحمد ربيع، بمدينة الدار البيضاء، درس الفلسفة وعلم النفس والاجتماع، ثم انضم عام 1958 إلي مدرسة المعلمين وانتقل عام 1963 إلى جامعة محمد الخامس في الرباط، وفي عام 1988 حصل على درجة الدكتوراه، درّس في مدارس ثانوية ثم عمل أستاذاّ بالجامعة في قسم علم النفس بكلية الآداب.  

أما أدبيا؛ فقد انضم إلى اتحاد كتاب المغرب عام 1961، حيث يملك إنتاجا غزيرا ومتنوعا ما بين القصة القصيرة والرواية والمقال، ومن أبرز أعماله: «سيدنا قدر» عام 1969، «الطيبون» 1972، «رفقة السلاح والقمر» 1976، «رحلة الحب والحصاد» 1983، ثلاثية «درب السلطان» التي صدرت عامي 1999 و2000، «طوق اليمام» 2008، «أهل البياض» 2011، «حب فبراير» 2014، وصدر له مؤخرا رواية «خيط الروح»، التي يدور حوارنا معه حولها، وحول الشأن الثقافي المغربي، والعربي بشكل عام.

بداية؛ ماذا تعني بخيط الروح؟

هناك إشارات كثيرة يضمرها ويتحملها عنوان «خيط الروح»، ولا أريد أن أجهز على ما يستوحيه القارئ من ذلك، بتفاعله مع النص الروائي، فهذا حقه ومتعته، كما أن متعتي أن أعلم ما يذهب إليه القارئ بهذا الخصوص؛ لكن هذا لا يمنع من القول إننا أمام خيط غير مرئي ولا ملموس؛ لكنه محسوس، يشمل وربما يجمع كثيراً من المتفرقات المختلفات المتناقضات، من كائنات وأفكار وأحداث، في الماضي والحاضر، وربما في المستقبل أيضاً، لا سيما ونحن في هذه الرواية، أمام معضلات كبيرة، من قبيل التحول والانقراض، بكافة مظاهره واحتمالاته.

كيف توافقت الروح الصوفية مع العقيدة اليسارية عندك في هذه الرواية؟

عندما نتحدث عن الروح الصوفية أو روح الصوفية، كما عندما نتحدث عن الروح بإطلاق، أو روح أي شئ، فنحن نتحدث عن الأعمق المطلق في الشئ؛ ومن منظور معين، يمكن أن تلتقي كل الأشياء في هذا المستوى الروحي، الذي هو انفتاح وقابلية؛ لكن المشكل بل الفارق والخلاف، يحصل عند مستوى التحجر العقدي، وممارساته العملية، أي في التجسيد المادي لروح ما نتحدث عنه، سواء كان صوفية أو سياسة، أو فناً، أو تمذهباً فكرياً.

وحتى أكون أكثر وضوحاً، فإن قيماً جوهرية مثل الإيمان والإخلاص للمبدأ والتضحية في سبيله، وما في معناها، تشكل روح الإنسانية والأخلاقية المتفتحة، وهي تبعاً لذلك، تكمن في صميم أي فكر إنساني، من يسار ويمين، بيد أن تحول ذلك إلى عقيدة على مستوى التطبيق العملي، في أي من هذه الميادين، هو ما يخرج بتلك القيم الروحية المطلقة عن طبيعتها، لتتجسد في الذاتية والادعائية والإقصائية والشمولية والطائفية وما إلى ذلك.

كيف نتعامل مع ما يمثله «الديصور» بطل الرواية الغامض، هل علينا التخلص منه أم ترويضه؟

لا هذا ولا ذاك فيما يبدو، إذ يجب قبل كل شئ ألا نصنعه، أو نوفر ظروف إفساده.. وإذا كان الأمر يتعلق بشخصية رئيسية في رواية «خيط الروح»، فالديصور كان مصلحاً وإنسانياً بمعايير بيئته وزمانه، إن لم نقل إنه كان ثورياً؛ لكن الصناعة المجتمعية في هذا الاتجاه أو ذاك، ومن قبل الفئات المختلفة، عن وعى ومصلحة أو عن عكس ذلك، هي آفة الإنسانية منذ القدم وإلى اليوم؛ إنما هناك دائماً الأمل، ذاك الصوت الإنساني الكامن الهامس فينا، سواء كنا «دياصرة» أو «عداية» أو «أعظميين».. عند المنعطفات والحافات الخطيرة، بما معناه: قم، اخرجْ، انتبه.

تحدثت في الرواية عن «العادات السجنية». ما هي تلك العادات؟ وهل هي عامة أم تخص اليساريين؟

تتناول الرواية في جانب منها، توصيف مرحلة هامة ودقيقة من تاريخنا المعاصر، في المغرب على الخصوص، فترة ما يسمى «سنوات الرصاص» بما سبقها، وبما رافقها وتلاها على الخصوص من تحولات؛ لكنها تبقى رواية أدبية ليست تاريخاً ولا يوميات أو سيرة ذاتية جمعية.

ومن هذا المنظور، تتجلى صور عديدة من العادات والعلاقات السجنية في هذا المستوى، وهي ليست نمطية ولا بسيطة، بقدر ما هي معقدة ودينامية؛ فالعلاقة بين السجين والسجان مثلا، ليست وحيدة المظهر حتى في أقصى الظروف والمراحل السجنية على النحو النمطي الوحيد الذي يتناهي إلينا، ويتداول في الثقافة العامة؛ إذ قد تنسج خيوط تعاطف وتشارك، لا تضر بدور السجان وإطار مهمته المحدد بوظيفة وقانون، لكنها تستجيب برحابة لدواعي بشرية إنسانية، فتجد السجان الذي (يتواطأ بشرف)، مع السجين ليتمتع بخلوة ما (لم تكن واردة في فترات حقوقية سابقة)، وكذا فرص مختلفة للتمتع الفكري والجسماني وغيرها، حتى أن منها ما يمكن أن يتم خارج أسوار السجن! علاوة على أن السجين مهما تكن صلابته الفكرية ونحن نتحدث عن سجناء سياسيين يساريين بالدرجة الأولى فله نقط ضعفه الخاصة، نزواته البشرية التي تطبع سلوكه في الباطن على الأقل، علاوة على الظاهري والمظهري؛ ثم هناك فرص المراجعة الفكرية بالسلب أو الإيجاب، لأن السجن يتيح فرصة التأمل والتبادل في هذا المستوى، مع المماثلين والمختلفين من الرفاق السجناء وغير الرفاق؛ وفوق ذلك قد تتمكن عادة الكتابة، أو تعلم اللغات الأجنبية ممن لم يختبر مثل ذلك سابقاً في نفسه، وهو خارج أسوار السجن.

التوصيف الروائي لهذه العوالم، كما تقدمه «خيط الروح»، وإن كان يتعلق بنمط من السجناء ذوي توجهات فكرية سياسية معينة، إلا أنه قد يكون في جزء منه قاسماً مشتركاً مع سجناء من توجهات أخرى، باعتبار الطبيعة البشرية؛ إلا أنه في الغالب، وحسب الطبيعة البشرية أيضاً، قد يكون مخالفاً إلى حد كبير، لما لدى سجناء الحق العام أو غيرهم.

كأستاذ جامعي ومسئول؛ هل أنت مع ممارسة العمل أو النشاط السياسي في الجامعة أم أنها مجرد رؤية أدبية؟

من منظور روائي وحسب المبدأ العام بهذا الخصوص، فإن ما ورد في رواية «خيط الروح» يبقى روائياً، بكل ما يحتمله المفهوم؛ أما عن السياسة والجامعة أو السياسة في الجامعة، فلا شئ يمنع من حق هذه الممارسة، في حدود قانون قائم على أساس من العدل ورعاية الحقوق والحفاظ عليها؛ ومهما يكن، فالفترة التي تتناولها الرواية، كانت غنية بالممارسة السياسية، ما بين تيارات مختلفة من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، وباحتدام صراعات قوية ما بين هذه التيارات المختلفة فيما بينها من جهة، وفيما بينها والدولة من جهة ثانية.

هل بالضرورة أن يكون المثقف دائما على يسار السلطة؟

ليس بالضرورة، وعملياً نصادف في الحاضر والماضي، نماذج مثقفة مارست وتمارس السلطة، بغض النظر عن أي تقييم بهذا الخصوص؛ ويمكن القول من حيث المبدأ، إن ما يجعل المثقف في طرف مناقض للسلطة، هو ما يميزه من روح النقد والسؤال والتجاوز والسعي إلى الخصوصية والفرادة؛ إذ أن للمثقف نماذج ومثل، لا غيبية بالضرورة أو ميتافيزيقية، ولكن إنسانية على وجه العموم، وهذا يتنافى جوهرياً مع مبدأ السلطة، وهي تنشد المصلحة والانضباط والنظام والترتيب والتراتبية؛ ومن هنا فإن المثقف عندما يمارس السلطة، أو يجاريها، أو يقترب منها، وبالتالي يتكيف مع منطقها، فإنه يبدو في غير موقعه الطبيعي وخارج سياقه.

هل اغتيلت الاشتراكية بفعل فاعل ولا أمل لها أن تقوم مجددا؟

بطبيعة الحال، لا يمكن إغفال عوامل الصراع الخارجية العالمية من فكرية وسياسية واقتصادية، في تأثيرها على مآل الاشتراكية وأفول نجمها؛ لكن يجب الاستدراك مباشرة بالتأكيد مبدئياً على أن الاشتراكية اغتالت نفسها بنفسها، قبل أن يغتالها الغير، اغتالها الاشتراكيون قبل غيرهم، وذلك عندما تحولت من فلسفة إنسانية وأسلوب في العيش والتعايش على أساس مساواتي ديمقراطي اجتماعي، فأصبحت في عديد من صورها العالمية سواء منها النظرية أو التطبيقية، مذاهب فكرية مغلقة، وأيديولوجية سياسية مكتملة الدائرة، وبالتالي استوفت كل ما تتطلبه التسلطية الشمولية، وهو ما تمثل في الأنظمة السياسية المرتبطة بها، مما ساهم بقسط كبير في تفعيل العوامل الذاتية المضادة، علاوة على الخارجية التي تصبح إلى حد ما ثانوية أو مساعدة؛ وهذا الأمر يصدق على جملة التوجهات الفكرية السياسية التي تنغلق على ذاتها، وترفض الاختلاف الذي يبقى المغذي الأساس للتطور والتجدد، ونرى مثالا عليه في النزعات القومية، ومنها القومية العربية التي أضر بها دعاتها وذووها قبل غيرهم، كما يصح على المنظومات الدينية بصفة عامة، في الماضي والحاضر، فهي بقدر ما تتحجر وتضيق بالاختلاف والاجتهاد، بقدر ما تتشبع بالتسلطية، والطريق ماهدة لنقائضها المختلفة.

أما فيما يتعلق بمنظور (الأمل) في انتفاض الاشتراكية من جديد، فهذا حاصل فعلا ويزداد ترسخاً، لكن في صياغات جديدة، من صور الديمقراطيات الاجتماعية التي تأخذ بالجوهر الاشتراكي، وتغمره ضمن تفاعلات منظومة الحريات والحقوق والمؤسسات بصفة عامة؛ ومن ثم، لا تبقى من ضرورة للمألوف، من صور وأطر الاشتراكيات القديمة والتقليدية.

عايشت الملكية مواطنا والجمهورية رفيقا. كيف ترى كلا النظامين وأيهما يلائم الوطن العربي أكثر؟

يتعذر التحكم لدرجة القول مسبقاً إن نظاماً معيناً، هو الأصلح لشعب أو أمة، لكن ما يختاره الشعب ويرتضيه هو الأصلح له، بمعنى أنه مسؤول عن اختياره، سواء في النظام الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي؛ علماً بأن هذا الاختيار يجب أن يكون حقيقياً، بمعنى توافر الآليات والضمانات المؤسسية القانونية، التي تتيح الفرصة لتعديل الاختيار، أو العدول عنه، أو تدارك الخطأ المحتمل فيه، وهو ما يتيحه النظام الديمقراطي بصفة عامة، بغض النظر عن نوعيته، إن كان جمهورياً أو ملكياً أو رأسمالياً أو اشتراكياً؛ إذ أن الجوهر والأصل هو الحرية الفردية والجمعية، ومنظومة الحقوق والمؤسسات.

يقال إن صلح الراعي صلحت الرعية. هل تؤيد ذلك؟ وهل يتوقف صلاح حال الملايين على شخص واحد؟!

هذه المقولة كغيرها من النصائح والحكم والكليشيات تحتمل أوجهاً كثيرة، ويجب في كل الأحوال تكييفها عملياً وشكلياً، ومن ذلك أن مفهوم الراعي والرعية الذي يستقي من معجم السمع والطاعة وما يربط بمنظومته؛ ونحن اليوم أبعد ما نكون عن ذلك، لكن يمكن فهم الأمر على أن المواطن اليوم (الرعية)، هو المسئول عن الراعي (الحاكم)، بمعنى أنه هو الذي يختاره ديمقراطياً؛ ومن جهة أخرى، فالحاكم بدوره يخدم مواطنيه، الذين اختاروه وفق برنامج عمل وخطة معلنة، ومن ثم يحدث التطابق: فهو منهم وهم منه، وصلاح الطرفين بالتكافؤ والتماثل.

ما الفارق  في رأيك  بين الربيع العربي في مصر وتونس وغيرها من الدول العربية، والربيع العربي في المغرب؟

أعتقد مبدئياً أن الربيع العربي جاء فرصة وموعداً، مع صناعة التاريخ، وهو ما أفلتته النخب العربية والحاكمة منها على الخصوص؛ وهو من الناحية الحضارية، جاء ليسجل انتفاضة المجتمع ضد التخلف والفساد والاستبداد، بعد يأس من كافة الطرق المسلوكة سابقاً بقصد التغيير، ولا ننسى أنه بذلك المظهر، أصبح نموذجاً يحتذي صراحة، من أجل إحداث التغيير لدى مجتمعات أخرى، ومنها الأوروبية على الخصوص؛ بطبيعة الحال لا يغير هذا من واقع الأمر البالغ المأساوية، السائر في العالم العربي اليوم، ونتيجة الربيع المأسوف عليه.

بخصوص حالة المغرب في علاقته مع الربيع العربي، فالعادة هنا أن نتحدث عن الاستثناء المغربي، بينما أراه اختلافاً وليس استثناء؛ ذلك أن الاستثناء يعني الخروج عن القوانين حتى في حدود الإنسانية والنسبية منها، وهذا لا يصح، أو أنه يتعذر إثباته، بينما الاختلاف ممكن، وله تعبيراته العملية في المجتمع والتاريخ المغربيين؛ فالمغرب لم يكن مؤهلا فحسب لتبني شعارات الربيع العربي وتوجهاته، بل إنه كان على الطريق  لا بأس من أن أقدم نفسي على أنني لست مجرد واحد من قلائل، يعتبرون أقدم الأعضاء في اتحاد كتاب المغرب، باعتباري علاوة على ذلك؛ مؤسس حقيقي لهذه المؤسسة، ومن الثلة الأولية الممهدة للمؤتمر التأسيسي عام 1961، إضافة إلى أنني توليت المسئولية بمكتبه المركزي، لدورات وفترات عديدة.

أهم ما يميز اتحاد كتاب المغرب، منذ تأسيسه، هو أنه كان الاتحاد الوحيد تقريباً (يماثله إلى حد كبير اتحاد الكتاب اللبنانيين) المستقل عن حكومته، لدرجة المعارضة بمعناها السياسي القوي، للدولة لا للحكومة فحسب؛ بينما سائر الاتحادات العربية الأخرى من هذا المنظور، كانت رسمية حكومية وتظل كذلك إلى اليوم؛ وهذا الوضع أعطى لاتحاد كتاب المغرب  في مواقفه على المستوى العربي، وفي نطاق الاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب، كما على مستوى الحياة العامة  مكانة الاعتبار والتقدير.

وأظن اختلاف الظروف العامة محلياً وعربياً ودولياً، على الأقل منذ الألفية الحالية ولا سيما في العشرية الأخيرة، قد انعكس على الوضع الثقافي العربي ومؤسساته، ومنها إن لم يكن أولها اتحادات وروابط الكتاب العرب، وأظن وضعية اتحاد كتاب المغرب ليست استثناء في ذلك، من منظور الدينامية الجماعية الداخلية، وإن كان ذلك لا يخفي أو يمنع من منجزات نوعية؛ وأعتقد أن المتغير الأساس هنا، يتمثل في الفارق بين مرحلة أو مراحل، كانت في جوهرها، قائمة على الالتزام الفكري والمؤسسي، على قاعدة التطوع والبذل، وبعيداً عن أي تطلع أو طموح إلى ما سوى ذلك، عبر العضوية أو المسؤولية في الاتحاد، بل إن المهمة داخل جهاز الاتحاد، كانت بالأحرى غير مريحة اجتماعياً وسياسياً، فأحرى أن تكون مدرة لشئ من مكتسبات شخصية فردية أو جمعية.

ما تأثير تعدد الثقافات في المغرب؟

التعدد الثقافي في المغرب طابع ملازم، يدخل فيه العامل الجغرافي والإثني والديني والثقافي، وهو وضع طبيعي؛ وإذا اعتبر هذا التعدد من منظور الثقافة الأجنبية والغربية على وجه التحديد، فيمكن استحضار أن ذلك ليس وليد اليوم، إذ أن التبادل الحضاري مع الأجنبي، كان دائماً حاضراً طوال التاريخ المغربي، وبحيرة المتوسط كانت دائماً صلة وصل، لا حاجزاً أو عائقاً، حتى ما تم من ذلك عن طريق حروب أو غزو متبادل؛ ومن غير الطبيعي أن نتصور هذا التواصل المستمر لم تكن له مظاهر ثقافية؛ علماً بأن الخلاف بهذا الخصوص مع ما عليه الأمر حالياً، هو أن التبادل اليوم، يتم عبر استراتيجيات عامة، لا تبعاً للطوارئ والظرفيات.

 أما فيما يخص التعدد الثقافي الداخلي، فهو أكثر تأصلا واستمرارية، باعتبار ما يمثله المغرب منذ خمسة عشر قرناً على الأقل، من تمازج تلاحمي عربي أمازيغي إفريقي صحراوي متوسطي، وكمثال على ذلك تغلغل الثقافة الإفريقية في الفنون المغربية، ولا يخفى أن هذا التعدد، يعتبر مصدر إغناء للشخصية المغربية على وجه العموم، كما لا ننسى هنا ما يمكن أن يتصور على أنه نقاء وتوحد ثقافي أو إثنى أو طائفي، أو نشدان ذلك وما يدخل في بابه، هو من قبيل اللامعقول، قبل أن يكون من قبيل اللامقبول، وهو بالتالي لا إنساني، ومسبب الكوارث الإنسانية العالمية والكونية قبل المحلية والإقليمية.

هل اللغة العربية في خطر؟ وإن كانت كذلك فكيف نواجهه؟

نعم؛ اللغة العربية في خطر، ومنذ الأمس وليس اليوم، منذ تخلف العرب عن ركب العلم والتطور؛ فاللغة ليست مستقلة عن أصحابها، لأنها صنعتهم ونسج ذواتهم، وليست دخيلة عليهم أو غريبة عن تركيبهم، لذلك فإن تخلف الذوات البشرية الفردية والجمعية، ينعكس على الذوات اللغوية أي على اللغة؛ على أن تضخم سلبيات ما عليه العربية اليوم، يتمثل في التعامل معها كما لو كانت مستقلة، حتى في سبل البحث عن علاج للوضع؛ وهنا نلحظ الجهود المشكورة والمحمودة المبذولة من لدن دول ومؤسسات عربية، لخدمة اللغة العربية، لكن ذلك يحتاج إلى الإرادة السياسية المستندة إلى المنهجية العلمية والتخطيط البيداغوجي، علاوة على التطبيق العملي المندمج للعربية في مجالات الحياة.

ما هي مكانة القارئ بالنسبة لمبارك ربيع؟ وكيف تتواصل معه؟

لا يمكن لكاتب روائي أن يتجاهل القارئ، فهو حاضر مضمر ومفصح في جميع الحالات، حتى أثناء الكتابة بكيفية أو أخرى، ويمكنني القول إنني اتواصل مع القارئ بل وتصلني رسائله وانطباعاته وأعتز بها؛ ويتمثل ذلك التواصل في مختلف اللقاءات المباشرة، سواء منها المنظمة ضمن مؤسسات ومناسبات، أو العفوية، كأن يتعرف عليك قارئ في ظرف عادي، وبعيد عن الأجواء الثقافية، فيعبر لك عن قراءته لهذا العمل أو ذاك من أعمالك.. لكن لا أعتبر نفسي أبذل جهدا كبيراً أو حتى مجرد متوسط في هذا الباب؛ أقبل مع نفسي أن يعتبر هذا تقصيراً مني، لكنني أشعر بأن مسؤوليتي الأساسية، هي أن أكتب، ويبقى الكثير الإضافي بعد الكتابة، أميل إلى تركه للغير بما فيه القارئ.

وهنا؛ لابد أن أوضح قليلا مفهوم حضور القارئ، من منظور ما يجري من حوار بيننا أثناء الكتابة، فانا أراه مسايراً محبذاً ومستفهماً حيناُ أو متحيراً أو مستنكراً حيناً آخر.. لكنني لا أزيد عن اعتبار حضوره شاهداً أو شبيهاً بذلك، وأنا أمضي في كتابة ما أنا فيه.. وهو ما يعني ممارسة حريتي في الكتابة كما أري بما أري لما أرى؛ من هنا فأنا في نماذج كثيرة مما أكتب، كما في مكونات روائية بعينها، أسعد بمطمح أن أجتذب القارئ إلى ما أنا فيه، إلي عوالمي وتصوراتي وألواني، لا العكس.

ماذا تمثل لك الجوائز؟

هي مبدئياً مكون من مكونات الحياة الثقافية، ومن هذا المنظور فهي محمودة ومشروعة، وتمثل وظيفة التحفيز والتشجيع للمنتج الثقافي؛ كما أن تعددها وتنوعها حسب المصادر والمجالات التخصصية أمر مرغوب فيه، إنما بطبيعة الحال، ليست الجوائز كل شئ، ولا هي الهدف المنشود من قبل المنتج الثقافي، كما أن الجوائز من جهتها، تتطلب وضوح وإيضاح شخصيتها بكل شفافية، بما يتطلبه ذلك من نزاهة وترفع، عن خدمة غير ما تعلن عنه من مبادئ وتوجهات، ومن حقها تبعاً لذلك، أن تخلص لمعاييرها المختلفة والمحددة.

هل تذهب الجوائز الأدبية لمن يستحقها؟

لكل جائزة نظامها الخاص ولوائحها الداخلية، على أن ذلك لا يعني وجود عدالة مطلقة، بل إن استعمال العدالة هنا لا معنى ولا مبرر له، في مجال يرتبط بالذائقة الأدبية الجمالية مهما تكن الضوابط المنهجية والتقييمية المعتمدة؛ وفي ضوء هذا، فإن أي اختيار للجان التحكيم هو في حكم المبرر ذاتياً ولا مجال للجدال فيه، إلا في الحالات الصارخة ونادراً ما تكون، أو في حالات تقارب النماذج وهذا طبيعي، لذلك لا أرى من المعقول ما يتلو في بعض الأحيان، أو أغلبها، بعض الأصوات المؤاخذة، إن لم نقل المهاجمة للنتائج، لأننا أمام عمل بشري للجان التحكيم، وهو يفرض مبدئياً حسن النية، بالإضافة إلى الكفاءة العلمية والمهنية، لا أكثر من ذلك، وبدون داع لأي جدال.

ومن جهة أخرى، لا يعني الأمر أن كل النماذج التي لم تحصل على جائزة ما، هي دون ذلك بالضرورة، إذ يمكن القول هنا، إن الجوائز الأدبية في معظمها، تميل على العموم في معاييرها، إلى ما يستجيب للذائقة المشتركة أو العامة، دون غير ذلك، من النماذج ذات المنحى المختلف والمخالف أو المفارق؛ ومن هذه الناحية، ومن منظور معين، يبدو في هذا بعض ما لا يخدم العملية التطورية الفنية، لكن تاريخ الفكر والأدب والفن، ينكتب بسيرورته الذاتية، لا بالشارات الخارجية مهما تكن قيمتها أو نوعها، والتي تبقى في أحسن الأحوال، مؤشرات لا أكثر.

من في الوطن العربي تراه يستحق جائزة نوبل؟

كثير هم من يستحقونها، وربما يكون عددهم حالياً بمعدل واحد لكل بلد عربي، دون أن يعني ذلك أي توزيع بالتساوي، ولا أعتقد أن المستحقين يقتصر وجودهم على اليوم، بل يرجع الأمر في نظري إلى عقود؛ وهذه الملاحظة تستند على العموم إلى مستوى الإنتاج الإبداعي العربي، وبخاصة في مجالي الشعر والرواية من جهة، كما تستند إلى بعض المعايير العملية والمستنتجة من اشتغال جائزة نوبل من جهة أخرى، وأعني بذلك شبه المضمر والمعمول به، من المواصفات المطلوبة في المرشح، من حيث بعض التوجهات الفكرية الخاصة، وكذلك اللغة التي ينتج بها، وبهذا الخصوص فإن الإنتاج بلغات معينة ليس من بينها العربية  يقدم فرصاً أحسن على طريق نوبل، وأضيف أن هذه الظاهرة لا تقتصر على الإبداع الأدبي العربي وحده، بل تشمل الإنتاج العلمي أيضاً، فالبحوث الجامعية المنجزة باللغة العربية، رغم قيمتها الموضوعية والعالمية بالمعايير الأكاديمية، تظل مجهولة، محدودة التداول، وغير معترف بها تبعاً لذلك؛ وهذا ما يدخل في تصنيف الجامعات العالمية، ويؤثر في التصانيف المرتبطة به.

أين ترى مبارك ربيع في كلا من الرواية المغربية والعربية؟ وأين ترى الرواية المغربية بين الروايات العربية؟

فيما يخصني شخصياً، أشعر أنني في حالة مستمرة من ظمأ البحث عن الرواية، وسأظل أبحث على هدي ما أنشد وما يرتسم في أفقي من نموذج؛ ومن جانبي أتمنى كما سأعمل، على أن أبقى في هذا الاتجاه؛ ومن هذا المنظور، فقد قدمت للرواية العربية، وللمغربية طبعاً، علامات دالة.

الرواية العربية اليوم وحتى قبل اليوم، قدمت وتقدم أعمالا، لا تقل عن روائع مماثلة في آداب عالمية أخرى، بل وتفوق فنياً وإنسانياً نماذج مشابهة ومخالفة في تلك الآداب؛ والحالات كثيرة.

وبخصوص الرواية المغربية اليوم بالذات، فهي تشكل مرجعية لا غنى عنها في المشهد الروائي العربي، وعطاءاتها في مستوى كل المقارنات والمقاربات، على طريق الجدة والجودة.

وصلت لمكانة مرموقة في الثقافة العربية. ما الذي تطمح إليه؟

أعتبر الأمر هنا يتعلق بالمجال الروائي دون غيره، وأِؤكد بالفعل أنني على طريق تحقيق مشروعي في هذا المجال، قد أنجزت ما أنجزت على نحو ما تصورت وأردت، بالخصوصية الملازمة، أو العلامة المميزة إذا صح التعبير؛ ورغم أن المبدع على العموم يظل يرنو إلى تحقيق شئ؛ إلا أنني بصفة خاصة ترتسم في ذهني نماذج محددة، أطمح إلى كتابتها، أي اكتشاف الكيف الروائي، الذي يمكنها التبلور في إطاره، عبر الإقناع والجمالية المنشودة.

هل تشعر بالرضا التام عن تجربتك الأدبية  والروائية تحديدا أم هناك ما ينقصها؟

الرضا نعم. الرضا التام لا أفهمه.. فالرضا فينا هو العنصر المناوب المراوح المتخلل، لا ما بين عمل روائي وآخر فحسب، ولكن ما بين مكون روائي وآخر: صورة، تصور، نمط شخصية، موقف، تعبير أو عبارة.. ما دام الروائي مخلصاً لفنه.. بينما الرضا التام فناء وانتهاء، أو هو من قبيل ذلك.

ماذا ننتطر منك قريبا؟

لي مجموعة قصصية بعنوان «الصورة والقفص» تحت الطبع، وأكتب عملا روائيا جديدا، يمكن القول على وجه التحديد، إنني بصدد لمسات مراجعته النهائية.

Comments