‮ ‬أشرف العشماوي‮: ‬نتراجع منذ‮ ‬60‮ ‬ عاما‮ ‬‮ ‬وغالبية ما قيل عن فاروق وعصره أكاذيب

أشرف عبد الوهاب العشماوي؛ قاضٍ مصري بمحكمة استئناف القاهرة، ولد عام 1966، لعائلة ذات جذور ثقافية ضاربة، فوالده هو الدكتور عبد الوهاب العشماوي؛ الأمين العام المساعد الأسبق بجامعة الدول العربية، وجدّه محمد حسن العشماوي باشا؛ وزير المعارف العمومية في حكومة حسين سري باشا الرابعة (1949 – 1950)، لذا لم يكن غريبا أن يكون الأدب جزءاً متأصلاً من تكوين أشرف العشماوي، ظل مختزنا لسنوات طويلة حتى ظهر أخيرا بعدما تجاوز الأربعين من عمره، ليسطّر اسمه بين أدباء الألفية الثالثة، بدءاً من روايته الأولى «زمن الضباع» ثم «تويا» التي وصلت للقائمة الطويلة لجائزة البوكر عام 2013، ثم روايات «المرشد»، «البارمان»، «كلاب الراعي».. ومؤخرا؛ روايته السادسة «تذكرة وحيدة للقاهرة» التي دار حولها حوارنا معه.

بداية؛ تغوص جميع أعمالك في التاريخ. هل يمكن اعتبارك مؤرخا؟

لا على الإطلاق؛ ولا أحب أن أكون كذلك، إذا ما صار الروائي مؤرخا أصبح مملا جافا، أنا لا أكتب تاريخا ولكنني أضعه في الخلفية وأتحرك بحرية، لا أخالفه وإنما أراه من خلال عيون أبطال رواياتي ولا أعتبر رواياتي تاريخية على الإطلاق، فأنا أرى مصر من زوايا كثيرة.

تناولت في «تذكرة وحيدة للقاهرة» أزمة تهجير النوبيين في الستينيات لبناء السد العالي. في رأيك؛ هل كان هناك بديل للتهجير؟

في كل عصر كان هناك البديل، أعداد النوبيين كانت أقل والتكلفة أرخص، ومع كل وقت تزداد المشكلة تعقيدا، عبد الناصر بدأ دراسات السد العالي عام 1957 لكن الإعداد للتهجير بدأ في 1963 !!! لم يتم دراسة تهجير عائلات من موطنها الأصلي؛ اهتموا بالحجر على حساب البشر، هؤلاء عانوا وماتوا من أجل نقطة ماء نشربها في بيوتنا بالقاهرة وسط أولادنا وهم يغرقون ويموت أطفالهم أمام أعينهم، بالمناسبة؛ توجد مقبرة لأطفال النوبة الذين غرقوا يمكنك زيارتها لتعرفي حجم المأساة التي صاحبت تهجيرا غير مدروس، فأنا لست ضد السد ولست ضد تهجير للمنفعة العامة، لكن بترتيب وتمهيد وإعداد. وهو ما لم يحدث للأسف.

عرضت ملامح حياة النوبيين المهمشين والمقهورين بكثير من المشاعر، ويعتبر البعض بالمثل أن غالبية الشعب المصري وهم أضعاف في العصور الملكية كانوا مهمشين ومقهورين أيضا. كيف ترى الأمر؟

لا أراهم كذلك، أنا من المنحازين للعصر الملكي وأرى أنه كان أفضل رغم سلبياته، كانوا مهمشين؛ ربما بعضهم كذلك، لكن مقهورين أشك كثيرا، هذا رأيناه في أفلام الخمسينيات مثل رد قلبي وغيرها، صورة بائسة للريف وإقطاعي فاسد يملأ بطنه طعاما وخمرا وعينه على زوجة الفلاح التي تبرز عظامه من صدره، أنا شخصيا أشك في كل هذه الأمور ولا أصدقها، ولدي معلومات من كثيرين عاصروا تلك الفترة وأثق في رأيهم وكلهم نفوا تماما تلك الصورة الساذجة التي صدَّرها لنا عبد الناصر في الخمسينيات.

هل تعتقد أن الإنسان يمكنه أن يحدد مصيره بيده؟

سؤال صعب ليس من السهل إجابته هنا، أنا اكتب لأصل لهذه الحقيقة، أحيانا أظن أن الإجابة ستكون بنعم، واكتشف من خلال الحياة والروايات أن هذه الاجابة خاطئة، وأحيانا يحدث لي العكس. أنا حائر امام هذه القضية الشائكة ولا أستطيع تقديم رد حاسم.

تعتبر البطل في روايتك مهمشاً ومجبراً لا يملك قراره، رغم أنه هو الذي اختار الرحيل إلى القاهرة، وأنه يساعد إقطاعيا ثم يسافر للإسكندرية وكذلك رحلته إلى سويسرا. أليست كلها اختيارات؟

رحل للقاهرة لأنه لم يجد عملا بالنوبة وكان هناك غرق قبلها لبعض القرى، والقاهرة فرصة جيدة للرزق، فأين الاختيار هنا؟ هو مجبر في أغلب الأحيان، وفي مساعدته لإقطاعي كان مجبرا أيضا، بعد تلفيق محضر سرقة له عاني على أثره كثيرا في قسم الشرطة وفقد إحدى أسنانه، وأهين من الضباط والمخبرين وظل سيف محضر السرقة مسلطاً على رقبته خوفا من تنكيل الإقطاعي السابق به، الإسكندرية كانت هربا مما لاقاه من أشور الجزار وفقد أصابع يده، أما سويسرا فنتيجة حماقته واستعجاله بحثا عن مسكة زوجته رمز النوبة التي غرقت مثلها، لا يمكن القول أن كلها اختيارات وإنما مزيج بين الاختيار والإجبار في تقديري، وربما أكون مخطئاً، لكن هذا ما رأيته وأنا أكتب الرواية.

هل هناك علاقة بين اختيارك لسويسرا وكونها ملجأ للصوص؟

لا على الإطلاق، ولندن هي ملجأ اللصوص بالمناسبة، لكن كل ما هنالك أنني زرت سويسرا مرات عديدة وعشت في جنيف تحديدا لفترات متقطعة بلغت شهورا في كل مرة وأنا صغير، لذلك أعرفها جيدا، وكان من السهل الكتابة عنها.

تناولت بعض المراحل في الرواية بإسهاب ودقة والبعض الآخر بتعجل مما أثر على الشعور بالتسلسل الزمني عبر 50 عاما وكأن الأحداث وقعت في فترة زمنية قصيرة لم تتطور معها روح وفكر عجيبة (بطل الرواية) كثيرا.

عجيبة لا يتعلم من أخطائه، يصدق الوعود دائما ويسير خلف مشاعره وقلبه، وما يراه يكون سرابا، فلو عاش 100 عام سيكرر نفس الأخطاء، قضية النوبة وهي رمز الرواية عمرها مائة وخمسة عشر عاماً، ولا يزال المسئولون يقولون نفس الكلام الذي قيل للنوبيين من أيام السلطان حسين كامل، والنوبي ينتظر ويصدق.. ما الفارق؟!! كل مرحلة سردية في الرواية كتبتها بالإيقاع المناسب لها في تقديري وتطور معها غالبية أبطال الرواية، أما عجيبة سر الختم فتطوره مختلف وإيقاعه دائما أبطأ، تلك هي شخصيته. وبصفة عامة؛ السرد الروائي لا يمكن أن يكون كله بنفس الوتيرة، هناك مناطق يجب أن نهدئ فيها الإيقاع ويحدث المونولوج الداخلي لتعميق الشخصية وهناك مناطق أخرى يكون السرد سريعا لتحريك الأحداث للأمام والوصول لنقطة محورية أخرى وهكذا.

الرحلة التي مر بها البطل غير عادية ومن النادر أو المستحيل أن تحدث لشخص واحد. هل تغازل بها الدراما التي تبحث عن الغريب والمثير؟

وهل مغازلة الدراما عيب؟ أنا شخصيا لا أراها كذلك، هذه مقولة يروجها كتاب الغرائبيات غير المفهومة حتى لمن كتبها منهم، لكن في ذات الوقت لم أكتب من أجل الدراما وإلا كان أسهل لي وأكثر ربحا ماديا أن أكتبها سيناريو، في الحقيقة؛ رحلة البطل غير عادية، لكنها ليست مستحيلة على الإطلاق وهناك في الواقع ما هو أغرب من الخيال، والقارئ في أي بلد في العالم يحب الدراما والكتابة بهذه الطريقة، وهو أمر صعب، ولو صنفت كتاباتي بأنها تغازل الدراما وبعيدة عن الأدب فهذا يرضيني لأنني لم أدعِ يوماً أنني أديب، فأنا روائي يسرد حكايات، وتلك الزاوية يتم مهاجمتي منها كثيراً لكنني بصراحة راضٍ تماما عما أكتبه.

لماذا النهايات المفتوحة دائما في رواياتك؟

لأن الرواية حياة موازية وحياتنا نهايتها مفتوحة، النهاية المفتوحة أحب لي كقارئ وبالتالي فعلتها ككاتب، نحن دوماً نحتاج للتفكير في النهايات، ننتهي من سماع القصة وقراءة الحكاية أو مشاهدة الفيلم ثم نفكر، النهايات غير المفتوحة أقرب للتقرير وفرض رأي وحيد على المتلقي لا أميل لها أبداً.

تمثل منظمات المجتمع المدني لغزا محيرا على الساحة المصرية، وقد زادت الرواية الأمر غموضا عندما لجأ إليها البطل في النهاية. ما رأيك في تلك المنظمات؟

الإعلام المصري جعل المصريين يكرهون المنظمات المدنية بعدما وصفها بالعمالة، وهذا كلام غير حقيقي على الإطلاق وينم عن جهل قائله، ليسوا كذلك على الأقل الآن ، ربما في الستينيات والسبعينيات كانت هناك منظمات دولية تقوم بهذا الدور التآمري وخلف ستار آخر، لكن الآن لماذا يتآمرون علينا ونحن نفعل بأنفسنا ما لم يفعله المحتل بنا، أنا مع منظمات المجتمع المدني وأرى ان وجودها وتشجيعها ضرورة حتمية، ولها فائدة كبيرة بالطبع تنعكس على المواطن  بصورة سريعة وملموسة أكثر من إجراءات الحكومات البطيئة، لكنني على وجه التحديد ضد المنظمات الدولية التي تتدخل في فرض تيار سياسي على مواطني بلد ما في انتخابات أو في إظهار شعبية معينة لتيار معين أو تأليب طائفة على أخرى. هذا أمر مرفوض عندي ولا أقبله، وقد حدث تحديداً في عام 2011 من منظمات أمريكية، وهو أمر مُجرم في كل دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا نفسها، بنفس العقوبة التي في القانون المصري والتي تصل للسجن 5 سنوات، لكنها عندما تحدث في الخارج نخرس هنا والعكس غير صحيح للأسف، فيما عدا ذلك أنا أؤيد فكرة وجود منظمات المجتمع المدني المصرية وأكن لها كل التقدير والاحترام وموقفي منها في قضية التمويل الأجنبي خير دليل عملي على كلامي، أنا لم أتهم منظمة مصرية أو حقوقيا مصريا بأي اتهام بل دافعت عنهم وكأنني محاميهم.

يرجع البعض التهميش والفساد إلى عجزنا على المستوى الفردي بعيداً عن حجج دور الدولة الغائب، وأننا جميعا مسئولون بشكل أو بآخر عن أي خلل في مجتمعنا، ما رأيك؟

متفق مع هذا الرأي ، نحن ننتقد دور الدولة الغائبة دوما بالفعل وتلك كارثة، لكن في المقابل نحن لا نفعل أي شئ ونساهم بسكوتنا وسلبيتنا في تفاقم المشكلة، وتلك هي المصيبة، كلنا مخطئون وأنا منهم، لا أحد منا مستثني، فنحن نتكلم أكثر مما نفعل.

أحيانا يكون السعي للماضي والتاريخ هروبا من حاضر مؤلم أو لا يستحق الاهتمام. ما رأيك؟

مقولة صحيحة إلى حد كبير، أحيانا نحتاج للهروب من حاضر مؤلم، وأظن أن ذلك كان سببا رئيسيا في نجاح مسلسل جراند اوتيل هذا العام على سبيل المثال، وربما بعض الروايات التي تدور في زمن مضى بعيدا عن هذا الزمن الردئ. وهذا أيضا في تقديري ما سوف يدفع بعض الروائيين والمؤلفين والمخرجين من أنصاف الموهوبين في العام القادم لإغراق السوق بروايات ومسلسلات وأفلام عن نفس الفترة.

تصف فترة ما قبل ثورة يوليو بالزمن الجميل رغم أن غالبية الشعب المصري كان يعاني من المرض والفقر والجهل والقمع. ألا ترى أن مصر أكبر كثيرا من اختصارها في القاهرة بمساحتها الضيقة قبل عام 1952 لنعتبر أنها كانت أروع من أوروبا؟

قطعا زمن جميل ليتني عشت فيه، اسمحي لي أن أختلف معك تماما، من قال أن غالبية الشعب كان يعاني من المرض والفقر والجهل والقمع؟ تلك أكاذيب روَّجها إعلام ما بعد 1952 وأغلب ما قيل لم يكن حقيقيا، فغالبية ما قيل عن فاروق وعصره أكاذيب، حتى لو كان الملك أحمق أو فاسدا، هذا شخص وليس نظاما بأكمله، كانت لدينا حكومة وأحزاب حقيقية، التعليم كان أفضل مائة مرة وكان الأطباء الأجانب يدرسون الطب في مصر وكلية الحقوق كان يتخرج منها الوزراء، الكتَّاب والصحفيون والروائيون كانوا لا يقلون عن نظرائهم في أي دولة أوروبية، أغلب الشعب كان محترما راقيا مثقفا متحضرا، وموظف الدولة له هيبة ويفهم وظيفته، والفلاح له احترامه، كنا دولة حقيقية بكل مقوماتها ومجتمعا متماسكا.

أما القمع؛ فلا يمكن مقارنته بما حدث بعد يوليو وسجون عبد الناصر، اذكري لي تعذيبا كان يحدث في سجون الملك فاروق، حالة واحدة فقط؟ بينما يمكن أن أوثق لكِ أكثر من خمسين ألف حالة في عهد ناصر وحده، عائلتي على سبيل المثال لا الحصر؛ تعرضت للتنكيل والسجن في عهده ولم توجه لهم تهمة ولم يُحقَق معهم، من البيت للسجن للتعذيب إلى آسفين يا باشا في نهاية المطاف، وكأنهم سائق تاكسي أنزله بعيدا قليلا عن بيته، لا عذبوه وأهانوه هو وأولاده وإخوته ثم صادروا ممتلكاته!! هل هذا يعقل؟

هل يمكن أن يوصف هذا النظام إلا بأنه نظام دموي استبداي ديكتاتوري سلطوي متخلف؟

 أما موضوع الجهل فيكفي أن من بث الثقافة والفنون الراقية في مصر عبر سنوات الخمسينيات والستينيات هم الذين تعلموا أيام فؤاد وفاروق، والحقيقة أن الجهل يمكن أن يوصف به آخرون ظهروا بعد يوليو وتسببوا في خراب مصر بجهلهم على مدار سنوات طويلة، حتى الفقر كان محدودا مثله مثل أي دولة في ظروفنا وبعدد سكانها وقتها، لكن في المقابل كان هناك تكافل اجتماعي حقيقي، أما الإقطاع فكان من الممكن تداركه وضربه في مقتل بضرائب تصاعدية على الأملاك الكبيرة لصالح الفقراء، وأنا منحاز لهم وليس العكس حتى لا يفهم كلامي خطأ، ولا اقول ذلك لأن عائلتي أضيرت، لكن بعيدا عني هناك آلاف عانوا كثيرا منذ يوليو بدون أي سبب، كل سلبيات يوليو كانت حكومة النحاس باشا قادرة على حلها 1951، لكن الجيش كان له رأي آخر، وبعد إلغاء معاهدة 1936 كان هناك تعجيل بحريق القاهرة ومن بعدها حركة يوليو لإنهاء نظام الحكم الملكي والذي ساهم الملك بضعف شخصيته في التعجيل به، لكن في المجمل كان لدينا ذمة وضمير وإتقان للعمل، وقيم كثيرة للأسف تآكلت مع مرور الزمن، نحن نتراجع منذ ستين عاماً تقريباً، وأخيراً؛ أنا لم أختصر مصر في القاهرة على الإطلاق، هذه جملة مقتطعة من سياق حديث، فلا يمكن أن أختصر بلدي في عاصمتها فقط، أنا أصلا جذوري من الريف المصري بالدلتا وأعتز بذلك وأفتخر به.

تعتبر أن الرواية أكثر مصداقية من الوثائق التاريخية. كيف وهي تخضع لوجهات النظر والإضافات الدرامية المختلفة؟ وإذا أخذنا كتابات نجيب محفوظ عن ثورة 1919 مثالا سنجد أن إيمانه بها كان عميقا إلى حد أنه لم يتحدث عن سلبياتها التي ذكرتها الوثائق مثلما تطرق إلى إيجابياتها.

الإشكالية تكمن في القراءة بعين الباحث والمدقق للروايات التي تضع التاريخ في خلفياتها، مثلما نقرأ رواية بمرجعية دينية أو أيدولوجية سياسية، هنا سنصل لنتائج خاطئة، لأن المقدمات لم تكن صحيحة، في رأيي؛ الرواية في حد ذاتها أشبه بالوثيقة، هذا ما كنت أقصده في حديثي عن الرواية والوثيقة، الرواية لها تأثير وجداني يفوق الوثيقة وتأثيرها قد يفوق ما يكتبه عشرات المؤرخين بوثائق، وفي أحيان كثيرة تنقل الروايات سيرة المهمشين والمنهزمين ورؤاهم التي لا تنقلها وثائق التاريخ، لأن الأخيرة يشرف على إعدادها المنتصرون فقط، وهناك العديد من الوقائع والأحداث تجاوزها مؤرخو ثورة يوليو والحقبة الناصرية وما بعدها، فهل نسايرهم باعتبار أن التاريخ أهم؟ الحقيقة أن الأمر مختلف تماما، وما فعله نجيب محفوظ هو أنه تتبع رحلة الإنسان على خلفية تاريخية، وهذه إحدى تقنيات كتابة الروايات التاريخية بدلا من الاعتماد على الوثائق والحقائق الجافة، وقد برع محفوظ في هذا المجال، تكفي روايته «الكرنك» للتدليل على ما أقوله، وهذا التكنيك في الكتابة في تقديري أفضل وأعمق ويتسق وروح الرواية كفن إبداعي، طالما لا نلوي عنق التاريخ أو نغير في الوقائع، وفي النهاية أنا لست فيلسوفا أو مؤرخا أو مفكرا، أنا روائي يكتب لإشباع هوايته لا أكثر ولا أقل.

لم تحتو رواياتك الأولى على إسقاطات سياسية بالكم الذي تضمنته أعمالك الأخيرة. هل يمكن إرجاع ذلك لتوليك منصبا سياسيا في 2014 كمساعد لوزير العدالة الانتقالية؟

أنا مثل غيري؛ تأثرت بثورة يناير العظيمة وبالتحولات الهائلة التي حدثت لمصر والمصريين، ربما كان ذلك السبب الرئيسي، أما منصبي؛ فالحقيقة أنني تعاملت معه بمنطق القاضي من أول يوم وتعاملت مع ملفات النوبة وحقوق الإنسان والأقليات وأطفال الشوارع بنفس منظور القاضي، وربما هذا ما عجل باستقالتي التي رحبوا بها جدا، قد يكون الخطأ مني باعتبار أنه منصب سياسي كما تقولين، لكني اختلفت في رؤيته وتعاملت على أنه تكليف بتحقيق عدالة اجتماعية وانتقالية ومساواة بروح العدل، حاولت وأصبت أحيانا وفشلت في النهاية، فكانت الاستقالة والعودة للقضاء، لكن على وجه القطع؛ تعلمت درسا مهما هو أنني لا أصلح لمنصب سياسي حاليا، أنا أري الفارق جيدا بين الأسود والأبيض في عملي ولا أحب اللون الرمادي أبدا.

على مستوى النشر وانطلاقا من تداول رواياتك بشكل كبير على الانترنت PDF  هل أثر ذلك على الكاتب من وجهة نظرك سلبيا أم إيجابيا؟

الأثر مزدوج؛ إيجابي لأنه يزيد من قاعدة القراء وهذا أمر يهم كل كاتب، وسلبي لأنه يؤثر على دخل الكاتب ويهدد صناعة النشر كلها، هي ببساطة سرقة ثقافية، لذا نختلف قليلا حول مشروعيتها، لكن أنا ضد تزوير الكتب مطبوعة على طول الخط، ولابد من تعديل القانون لمصادرة ماكينات الطباعة، هذا هو الحل الناجع من وجهة نظري، والعودة في ذات الوقت للطبعات الاقتصادية أو الشعبية، هذا أمر متعارف عليه في العالم كله، لن نخترع العجلة، لكننا متكاسلون، نتكلم ونشكو ثم لا نذهب لأبعد من ذلك.

ماذا تكتب الآن؟

 بدأت منذ أسابيع قليلة وتحديدا في أول أغسطس في رواية اجتماعية بحتة، ما زلت في مرحلة رسم الشخصيات واستكمال البحث الروائي، بها تعدد أصوات (4)، لكنني بالطبع لم أبدأ في تدوين السرد حتى الآن، أمامي شهور طويلة من الإعداد للرواية ومحاولات التدوين الأولية، ولا يزال عجيبة سر الختم في مخيلتي للأسف هو وصاحبه، وأحياناً أشعر أن اختياري ربما يكون خاطئا وربما تكون الفكرة سرابا لن تذهب بي أكثر من عدة فصول ثم تقف، فحتى هذه اللحظة لا أري من الرواية بوضوح سوى فصلها الأول الذي أقدم فيه شخصيات الرواة بالتفصيل معتمدا على وقوع حادث غامض في مكان تواجدهم وكل منهم يسرده من وجهة نظره، أما الباقي فلم يكتمل بصورة ترضيني، فكرة الرواية العامة عن شرائح مختلفة في المجتمع المصري وتأثير الزمن عليها وردود أفعالها حتى وصلنا إلى ما نحن عليه الآن، وربما هي تجيب أكثر عن سؤالك بخصوص الزمن الجميل. لا أدري إن كنت سأستمر فيها أم لا. بشكل عام؛ لست متعجلا ولست ٍملزما بموعد معين، أنا أكتب ما أريد عندما أريد.

 

Comments