قانون التشجيعية الجديد.. مزيد من المبدعين أم مزيد من الحجب؟!

7  فائزين فقط ينطبق عليهم القانون في آخر 5 سنوات!

  • د.جابر عصفور: هناك قصور في عمل اللجان والأعضاء يستسهلون

  • يوسف القعيد: تشجيع الكتابة لا يكون بعمل مسابقة لأعمال غير موجودة

  • د.حسين حمودة: الفوز بالتشجيعية في سن الخمسين أو الستين إهانة

  • د.شيرين العدوي: نعاني من الشللية.. ولابد أن يتمتع المحكّمون بالنزاهة

  • د.عبد الناصر حسن: يجب وضع معايير محددة حتى لا تذهب الجوائز لمن لا يستحقها

13 جائزة تشجيعية محجوبة في فرع الآداب، و27 فائزًا؛ من بينهم سبعة - فقط - حصلوا عليها قبل أن يتجاوزوا سن الأربعين. هذه محصلة السنوات الخمس الأخيرة، في ظل العمل بالقانون القديم، الذي أُحيل للتقاعد مع إعلان نتائج هذا العام. فبدءًا من 2019 سيطبَّق القانون الجديد الذي ينص على تحديد عُمْر المتقدِّم لنيل الجائزة بأربعين عامًا. يا ترى كم جائزة ستُحجَب حينئذ؟ !

لو عُدنا قليلًا للسنوات الماضية، سنجد أنه في عام 2014 تم حجب جائزتين هما «دور علماء مصر في التراث اللغوي» و«دراسة في التحليل الاجتماعي لنص أدبي»، وأُعلِن فوز ستة أدباء، كانت د.سارة شحاتة الفائزة في فرع «المجموعة القصصية» هي الوحيدة التي لم تُكمِل العقد الثالث من عمرها، بينما الفائزون الخمسة الآخرين تعدوا الأربعين بسنوات، قد تكون قليلة مثل د.حسام نايل في فرع الترجمة، أو أكثر قليلًا مثل أحمد طوسون «فرع رواية للفتيان» ومحمد العسيري «فرع بحث في شعر الأغنية» حيث كانا في منتصف الأربعينات، وقد تكون بعيدة كثيرًا مثل الشاعر عزت الطيري «فرع المسرحية الشعرية» الذي نالها وهو في منتصف الخمسينات، ومحمود أبو مية «فرع نص من أدب الرحلات» وهو في منتصف عقده السابع.

وفي عام 2015 تم حجب جائزتي «تحليل الخطاب الروائي» و«رواية الخيال العلمي»، وفوز سبعة متقدمين، لأن فرع «تيسير النحو العربي» ذهبت جائزته مناصفة لكل من الدكتور خالد توكال مرسي، وكان في أوائل الأربعينات، والدكتور حسام جايل عبد العاطي، في منتصف الثلاثينات، وانضمت له تحت سن الأربعين ابتهال الشايب «فرع المجموعة القصصية» التي فازت في العشرينات من عمرها، بينما جاء بقية الفائزين ما بين النصف الأول من الأربعينات مثل حسن شهاب الدين «فرع ديوان فصحي» الذي اعتذر عن الجائزة لفوزه بأخرى عن نفس الديوان، وانتصار عبد المنعم «فرع سير وتراجم أدبية»، وبعد عمر الخمسين فاز السيد القماحي «فرع الألعاب التعليمية للأطفال»، والمرحومة د.أنوار عبد الخالق «فرع الترجمة».

أضيفت للجوائز المحجوبة واحدة في عام 2016 فأصبحن ثلاث، في فروع «أدب الثورة (دراسات تطبيقية ونظرية)»، «الاستشراق ودوره في الدرس اللغوي المعاصر»، و«المسرحية الشعرية». وفاز خمسة متسابقين، من بينهم اثنان في أواخر العقد الرابع – في حينها – هما سالم الشهباني «فرع ديوان شعر» ومحمد عبد النبي «فرع الترجمة»، البقية كانوا في منتصف الأربعينات من عمرهم، وهم منير عتيبة «فرع مجموعة القصص القصيرة جدًا»، عمرو العادلي «فرع الرواية»، ود.محمد سيد عبد التواب «فرع كتاب نقدي في أدب الاطفال».

في العام الماضي حُجِبَت جائزتان هما «المسرح الشعري بعد صلاح عبد الصبور» و«المسرحية الشعرية»، وفاز ستة من الأدباء، بينهم سلمى فايد «فرع ديوان شعر» ومحمد عطية «فرع رسوم سلسلة كتب الأطفال ما قبل المدرسة» في سنواتهم الأولى من العقد الرابع، وتراوح الفائزون الأربعة الآخرون بين الأربعينات مثل عبد الرحيم يوسف رمضان ماضي «فرع الترجمة» وأيمن رجب طاهر محمد «فرع الرواية التاريخية»، وأواخر الخمسينات مثل د.شعبان عبد الحكيم محمد سيد «فرع اتجاهات الرواية بعد نجيب محفوظ»، أو أواخر الستينات كالكاتب سمير الفيل «فرع المجموعة القصصية».

أما هذا العام؛ والذي ربما يكون الأقرب أو «بروفة» لما قد يحدث في العام القادم، فقد حُجِبَت أربع جوائر في فروع «ألف ليلة وليلة في الرواية المعاصرة»، «قضايا المرأة في الأدب النسوي»، «المسرحية الشعرية» و«عرض مسرحي للأطفال»، وجاء الفائزون الأربعة جميعهم أكبر من سن الأربعين، وهم هاني عبد المُريد «فرع الرواية»، حسين عبد الرحيم «فرع المجموعة القصصية»، المرحوم عبد الناصر علام «فرع ديوان الشعر»، ووحيد محمد مصطفى شعيب «فرع ترجمة كتاب علمي».

حجب متضاعف

في الوقت الذي نجد وزراء الثقافة المتعاقبين كل عام ينادون بضرورة إيجاد آلية للتقليل من عدد الجوائز المحجوبة، نجد أن القانون الجديد قد يزيد العدد أضعاف، حتى وإن استثنينا الفروع الثلاثة التي تلقى إقبالا هائلا في المشاركة (الرواية، المجموعة القصصية، ديوان الشعر)، فهناك خمسة فروع أقرب للحجب منها للمنح، إما لعدم تقدم أحد إليها أو بسبب أن الأعمال القليلة المقدَّمة لا يرقى أي منها لنيل الجائزة، وفي الحالتين النتيجة واحدة.

يُرجِع د.جابر عصفور مسألة الحجب برمتها إلى اللجان، موضحًا: أرى أن هناك قصورًا في عمل اللجان بالنسبة لجوائز الدولة التشجيعية، لأن الأعضاء «يستسهلون». فشبابنا متميز في كل المجالات، لكن البعض بحكم طبيعته يستعلى على الجوائز ولديه فكرة سيئة عنها، المتميزين من هؤلاء لابد أن تبحث عنهم اللجان، لأن كل لجنة - بالضرورة - تعرف أبناء مجالها، والقانون يسمح لهم بذلك، لكن الكثير من اللجان لا تستخدم هذا الحق ومن هنا تُحجَب الجوائز.

ويستطرد عصفور: أنا شخصيًا لم أقدِّم يومًا في جائزة الدولة التشجيعية ولا غيرها من الجوائز، إلا بعدما تقدمت في السن. حينما كنت شابًا صغيرًا كنت أستنكر التقدم لها، وكان رأيي أن معظم من في المجلس مجاملين وسيمنحوها لتلامذتهم وأصدقائهم.

يتفق معه الكاتب يوسف القعيد، قائلًا: الحجب مسئولية كل لجنة على حدة، وأنا -شخصيًا- رأيي أن عدم اللجوء للحجب في كل فروع جوائز الدولة أفضل، وفي التشجيعية -تحديدا- القانون يعطي اللجنة الحق في أن تمنح الجائزة لعمل لم يتقدم صاحبه، لكن هناك كسلا وعدم استخدام لهذا الحق. أتذكر أنني في إحدى السنوات كنت عضوًا بلجنة تحكيم يرأسها د.علي الراعي -رحمه الله-، لم نجد عملًا مستحقًا للجائزة، فذهبت حينها لدار الكتب وجئت بالأعمال المودعة خلال تلك السنة وأخرجنا منها عملا لم يتقدم صاحبه ومنحناه إياها، لكن ذلك يتطلب مجهودا وأمانة.

بينما يقترح د.حسين حمودة حلًا آخر، يقول: يمكن حل ظاهرة حجب الجوائز، خصوصًا التشجيعية؛ بسهولة، من خلال التوسع في نشر الإعلانات عن هذه الجائزة، بحيث تصل أخبارها إلى عدد كبير من المبدعين والمبدعات في كل الأقاليم المصرية، وبحيث يتم تقديم عدد أكبر من الأعمال ويسهل الاختيار من بينها. وأيضا يمكن إعطاء فسحة من الوقت أطول للمحكمِّين والمحكمَّات في هذه الجائزة، بما يجعلهم في حالة عدم وجود عمل متقدِّم يستحق الحصول عليها، أن يبحثوا عن عمل آخر لم يتقدم به صاحبه أو صاحبته للجائزة.

فروع متخصصة

إلا أن الأمر - في بعض الأحيان - لا يكون زمامه بالكامل في يد لجنة التحكيم، خاصة عندما يكون الفرع دقيق التخصص وتندُر الكتابات فيه، يقول د.جابر: أسامح الفروع المتخصصة، لكنني أطالب اللجان بأن يختاروا موضوعات مطروقة وليست غاية في التخصص، فهم يلجأون أحيانا لفروع نادرة جدا، رغم أنهم أدرى الناس بمجالاتهم، وعليهم عندما يجدون أن هناك فرعا نادرا جدا ألا يختاروه ضمن جوائز الدولة. أُحمِّل الأمر للجان أيضًا لأن فروع الجوائز التي تحددها اللجنة العليا لمدة ثلاث سنوات تكون بالاتفاق مع تلك اللجان، وبهذا الشكل تكون هي - أيضا - صاحبة المسئولية. فقبل إقرار الفروع المتخصصة والنادرة في الجوائز، يجب التشجيع على الكتابة فيها أولًا.

أما القعيد فيعارض فكرة تحديد مجالات الجائزة لسنوات قادمة، قائلًا: مسألة تحديد الموضوعات الخاصة بالجائزة التشجيعية لمدة ثلاث سنوات خطأ، وإنما يجب أن يتم ذلك عام بعام، حتى تتواكب المسابقة مع الحركة الأدبية، فالتغيرات كثيرة وسريعة. إلى جانب أن الأعضاء في كل شعبة، سواء الآداب أو الفنون أو العلوم الاجتماعية، يكتبون أشياء بالغة الغرابة بهدف تشجيع الكتابة في هذه النوعية، لكن تشجيع الكتابة لا يكون بعمل مسابقة لأعمال غير موجودة، لأنها ستُحجَب ويُبذَل فيها جهد بلا معنى، والحجب في حد ذاته كارثة.

يتفق معهما حمودة بقوله: أتصور أن القائمين على جوائز الدولة عليهم عند اختيار الفروع الجديدة لها، أن يفكروا في إمكان وجود نتاج يكفي للتقدم لهذه الفروع، ويكفي لتحكيمها، ولاختيار الأفضل من بينها.

يضيف عليه د. عبد الناصر حسن: لابد من تطوير الحركة الإعلامية داخل المجلس بحيث تصل للمثقفين وتجعلهم أكثر وعيًا بالجوائز وفروعها، وإن لم تكن هناك مؤلفات في فرع ما؛ فليتم تأجيله إلى عام آخر.

كيفية التحكيم

مسألة الاختيار وكيفية ضبطها؛ أحد العوامل التي قد تجعل البعض يعزف عن التقدُّم للجائزة، يقول د.عبد الناصر: شاركت في جوائز الدولة كلها، ورأيي دائمًا، أنه لابد من تقييم الموضوع بمختلف جوانبه؛ الأساليب التي تُستخدَم ومقاييس الحكم على الأعمال الفنية في كل جائزة على حدا، لأن كلا منها لها مواصفات تختلف عن الأخرى. علينا وضع معايير محددة وألا تُترَك الأمور للجهود الذاتية، التي تجعل الجوائز - أحيانًا - تذهب لمن لا يستحقونها. لابد أن نتهيَّب التقييم ونخشاه، فنتحرى الدقة للوصول إلى أفضل اختيار ممكن. تلك المسألة تستدعي نقاشًا مع د.سعيد المصري، وأتصور أنه رجل لديه قدر من الدقة والحكمة، ولديّ أمل كبير أن يصلح مثل تلك الأشياء.

تتطرق د.شيرين العدوي إلى الإشكالية ذاتها، قائلة: أنا ضد الحجب، لكن الأهم هو وجود إبداع حقيقي يستحق الفوز بالجائزة. وهذا يجعلنا نتساءل؛ من الذي يحكم على الإبداع؟ وكيف تربت ذائقته؟ فالنتائج تُظهِر - أحيانًا - أننا نعاني من مشكلات عديدة، من أبرزها سيطرة «الشللية» والتأثر بمدى شهرة الكاتب، وهذا يحرم الكثيرين من الفوز، فلابد أن يتمتع المحكّمون بالنزاهة، ويكون التعامل مع النصوص على أساس موضوعي ومعايير علمية. لأن هذا الأمر يتسبب في أن المبدعين أنفسهم يبتعدون عن أي نشاط تقيمه الدولة، لشعورهم بعدم النزاهة فيه، فنحن نملك مبدعين رائعين لكنهم في حاجة لرعاية، سواء في أطراف المعمورة أو في القاهرة، لكن كلا منهم - للأسف - اكتفى بأن لديه صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي ويستطيع النشر في الصحف، واستغنى بأصدقائه ممن وصل إليهم عبر الشبكة العنكبوتية داخل وخارج مصر، ولم يعد منتظرًا لاعتراف من الدولة.

سن الأربعين

أما تحديد سن الفائز بالتشجيعية بأربعين عامًا، فتقول د. شيرين في ذلك: كلمة تشجيعية تعني أن يكون هناك شخص نابغ جدًا في الآداب ويستحق هذا التشجيع بمنحه جائزة دولة، وهذا من النوادر، أن نجد شخصًا بهذا المستوى في سن الأربعين. أعلم أنه ليس معقولا أن تُمنَح لشخص في الستين من عمره، لكنها في أحيان كثيرة تكون بديلًا لمبدعين لا يستطيعون الحصول على النيل والتقديرية والتفوق لأن المنافسة فيهم تكون شديدة، وعن مجمل الأعمال، فهذا سيظلمهم.

تستطرد العدوي: يسعدني أن تُعطَى الجائزة التشجيعية لشاب صغير أنتج عملًا فذًا وأضاف جديدا للإبداع، وفائقا في فكره ورؤيته التي تنبيء بوجود مبدع في طريقه للعالمية، لكن سن الأربعين بالنسبة لنا الآن صغير.

يختلف معها د.جابر عصفور، مؤكدًا: لا يمكن القول بأن مصر ليس فيها كُتَّاب لا يتجاوزون الأربعين عامًا في كل مجال، على العكس؛ فالأرض لدينا ولاّدة، ولدينا في هذه السن إنجازات جيدة، لكن اللجان كسولة. وقد كنت ممن ألّحوا على تحديد السن، لأن حصول من يبلغون الستين والسبعين عليها ليس مقبولًا.

يتفق معه د.حسين حمودة، قائلًا: أعتقد أن تحديد سن الفائزين والفائزات بجوائز الدولة التشجيعية بحيث لا يتخطى الأربعين هو قرار صحيح، ففكرة هذه الجائزة، كما هو واضح من عنوانها، ترتبط بنوع من تشجيع المبدعين والمبدعات، كما ترتبط بتقييم عمل واحد من أعمالهم، وبالتالي ففوز مبدعين ومبدعات بهذه الجائزة في سن الخمسين أو الستين، كما حدث كثيرًا، ليس فوزًا، بل ربما كان إهانة لهم، فكيف نشجع مبدعًا يقترب من السبعين من عمره وله أعمال كثيرة نشرها من قبل.

يتعارض معهم رأي يوسف القعيد، موضحًا: أنا ضد تحديد العمر، فالشباب إحساس أكثر منه عدد سنوات. وإن كان لابد أن يتم تحديده فليكن 35 عامًا، باعتبارها تشجيعًا، وبالتالي كلما كان السن أصغر كان أفضل.

Comments