بعد خطاب «العلاقات الثقافية الخارجية».. مثقفون يتساءلون: كيف يُدار هذا القطاع المهِّم في وزارة الثقافة؟!

«انطلاقًا من سياسة وزارة الثقافة الرامية إلى إدارة علاقات مصر الثقافية الخارجية بأسلوب يتسم بالتكامل العضوي مع توجهاتنا الخارجية، وفي إطار إثراء الثقافة المصرية الحديثة من خلال توثيق صلاتنا بالثقافة العالمية»؛ لهذه الأسباب أُنشِئ قطاع العلاقات الثقافية الخارجية، وتحددت له أربع مهام، هي: توسيع وتنويع طبيعة وأشكال مصادر التدفقات الثقافية الخارجية وتصعيد الاهتمام كمًا وكيفًا بالتبادلات الثقافية مع أقاليم جغرافية ومناطق ثقافية متنوعة، تفعيل برامج التبادل الثقافي التي يتم توقيعها مع الدول المختلفة، إظهار وجه مصر الحضاري الدولي للعالم من خلال الإصدارات الثقافية باللغات المختلفة، والتعبير عن هوية مصر الثقافية التي تستمد خصوصيتها من تركيب ثقافي متعدد الروافد وإنماء تلك الهوية عبر تغذيتها بالروافد الثقافية المعاصرة وتطوير سبل المُساهمة فيها.

في سبيل تنفيذ مهمته الثالثة، أرسل القطاع خطابًا بتاريخ 17 مارس 2019، وتوقيع رئيسته د.هبة يوسف، إلى الجهات المختصة في وزارة الثقافة، والمجلس الأعلى للثقافة للعرض على لجانه، جاء فيه: «في إطار خطة نشاط قطاع العلاقات الثقافية الخارجية – الإدارة العامة للإعلام الخارجي للعام المالي 2018/2019 والتي تتضمن إصدار مطبوعات يتم توزيعها على السفارات المصرية والمكاتبة الثقافية والإعلامية بالخارج والسفارات الأجنبية والمراكز الثقافية بالداخل، وإمداد الفرق المسافرة إلى الخارج والوافدة إلينا وتزويد المؤتمرات والمعارض وكافة المناسبات الثقافية والتي تعمل على الترويج المشرف لمصرنا العزيزة. نرجو التكرم من سيادتكم في اقتراح لأسماء شخصيات في المجالات المختلفة أثرت في التاريخ المصري للاستعانة بها في العمل على إصدار بوستر يتضمن عدد (20) صورة مع التعليقات باللغة العربية والإنجليزية وتركت انطباعًا بشكل أو بآخر وبصمة محفورة في أذهان الشعب المصري من خلال نجاحهم ونبوغهم في مجالاتهم المختلفة». ومع الخطاب أرفق القطاع بيانا بمقترح يتضمن 20 شخصية ونبذة مختصرة عن كل منهم، رغم أن دور القطاع لا يتضمن ذلك.

عشرون شخصية مؤثرة

ضمَّت القائمة تحت عنوان «شخصيات أثرت في التاريخ المصري» كل من: مصطفى إبراهيم خليل (أول سباح في التاريخ يعبر المانش بلا قدمين ثلاث مرات)، نعيمة الأيوبي (أول محامية مصرية)، على باشا إبراهيم (مؤسس القصر العيني الحديث)، لطيفة النادي (أول امرأة مصرية تحصل على إجازة الطيران)، محمود رضا (راقص ومصمم رقصات وممثل)، الأميرة قوت القلوب الدمرداشية (تبرعت بالمال لبناء مستشفى الدمرداش)، يوسف أفندي (أحد الطلبة المبعوثين إلى أوروبا لتعلم الزراعة في عهد محمد على باشا وسميت فاكهة اليوسفي نسبة له)، بمبة كشر (أشهر راقصة استعراضية في القرن التاسع عشر)، محمود مختار (نحات كبير في العصر الحديث)، ود.درية شفيق (من رواد حركة تحرير المرأة فى النصف الأول من القرن العشرين).

أما العشر شخصيات الأخرى، فهي: محمد على الحلو (مدرب أسود لقى مصرعه عندما انقض عليه الأسد سلطان)، سميرة موسى (أول امرأة تحاضر في الجامعة)، الشيخ محمد رفعت (مقرئ ذاع صيته على مستوى العالم العربي)، الأميرة فاطمة إسماعيل (تبرعت بقطعة أرض لبناء جامعة فؤاد الأول – القاهرة حاليًا)، د.حامد عبد الفتاح جوهر (رائد علوم البحار الملقب بملك البحر الأحمر)، توحيدة عبد الرحمن (أول طبيبة حكومية)، على نعمان باشا الأعصر (تبرع بقطعة أرض لصديقه طلعت باشا حرب من أجل شركة مصر للغزل والنسيج)، عائشة راتب (أول سفيرة للخارج وكانت أول معيدة بكلية الحقوق)، د.محمد جمال الفندي (رائد علم الفلك في العالم العربي)، وأبلة نظيرة (صاحبة أول موسوعة عربية في الطبخ).

تساؤلات أظنها مشروعة

بداية من السطر الثاني؛ يثير الخطاب عددًا من التساؤلات المصحوبة بعلامات تعجب لا استفهام فقط، حيث ذُكِر أنه «في إطار خطة نشاط القطاع للعام المالي 2018/2019»، والتي تنتهي خلال أقل من ثلاثة أشهر وأسبوعين، منذ تاريخ توجيه الخطاب في 17 مارس 2019، فمتى سيصل للجهات المختصة ليتم عرضه وترشيح الشخصيات ثم عودته ليبدأ العمل عليه قبل شهر يوليو القادم؟! خاصة في ظل مشكلة «الروتين» المرتبطة بالعمل الحكومي في مصر، بالإضافة إلى أن الأيام المقبلة تتضمن عددًا ليس قليلًا من الأجازات، يتبعها شهر رمضان، بكل طقوسه وقلة إنتاجيته، ثم شهر يونيو، الأخير في السنة المالية والذي غالبًا ما يكون الانشغال خلاله بالعمل على حسابات السنة المنقضية.

في الفقرة الثانية يحدد الخطاب عدد الشخصيات المطلوبة بعشرين شخصية أثرت في التاريخ المصري، فهل يكفي هذا العدد ليعبِّر عن التاريخ المصري الممتد لآلاف السنوات؟! لم يتم تحديد فترة معينة كالتاريخ الحديث مثلًا أو في آخر مائة عام، رغم أن الشخصيات العشرين التي جاءت في المقترح يتراوح ميلادها – إن استثنينا منهم يوسف أفندي (أوائل القرن التاسع عشر) والأميرة فاطمة إسماعيل (1853) – ما بين عامي 1880 و1958؛ أي أقل من ثمانين عامًا خلال الحقبة الملكية.

ما بين الخطاب والقائمة شعرتُ أن هناك شيئًا خاطئًا، ولم أكن وحدي، فقد لمستُ ذلك في ذهول كل من قرأ تلك الأوراق أو سمع بها، وكان السؤال شبه المشترك بينهم مفاده: كيف يُدار هذا القطاع المهِّم في وزارة الثقافة؟!

لجنة لا تزيد عن أربعة أفراد

يشدد د.صلاح فضل على ضرورة أن يوكل هذا العمل للجنة متخصصة، حيث لا يمكن لأي إدارة حكومية أن تتصدى لتحديد تلك الشخصيات مهما كانت درجة معرفة الموظفين بها، مضيفًا: من الواضح أن من اقترح هذه الأسماء بما تتضمنه من بعض الرموز وتحتويه من بعض المجاهيل الذين لا يمكن اعتبارهم رموزًا؛ ليس عنده فكرة حقيقية عن مفهوم الثقافة بمصر ولا عن المؤثرين الحقيقيين فيها، وكان الأولى بهم أن يوفروا على أنفسهم ضرب هذه الأمثلة وإسناد الأمر برمته للمجلس الأعلى للثقافة، فهو المنوط به القيام بهذه المهمة، أما موظفو العلاقات الثقافية الخارجية فلا شأن لهم بهذا الأمر واختياراتهم لن تلقى سوى الاستهانة أو الإهمال. وإنما على المجلس أن يتولى تشكيل لجنة من كبار المتخصصين، لا يزيد عددها على أربعة أفراد فقط، يضعون تصورًا عمليًا لمجالات الثقافة المؤثرة الأساسية، واقتراحًا باختيار أفضل من يمثلون هذه المجالات في نطاق الفنون والآداب والعلوم والحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بمختلف تياراتها. وأحسبُ أن الضمير الوطني والوعي الثقافي للشعب المصري لا يمكن أن يخطئ في تمييز هذه الشخصيات العشرين، وسيجد - على الأقل - مائة شخصية تستحق، ليختار من بينها العشرين الأكثر استحقاقًا.

وانعطف فضل بحديثه إلى المعيار الأساسي الواجب مراعاته في تنفيذ ذلك، قائلًا: لابد أن يكون توزيع الأعداد على المجالات المختلفة، بحيث يتم اختيار أصحاب المجالس والاتجاهات وقادة كل مجال ممن خلقوا تيارات بعدهم وترسخت قيمهم وآثارهم لدى الأجيال المتتالية، ويمكن دراسة ما إذا كان سيتم الاقتصار على الراحلين أم سيضاف إليهم بعض المعاصرين.

مهزلة وتهريج وقطاع «مغيَّب»

وصفت الكاتبة سلوى بكر الأمر بـ «المهزلة» وأتبعتها بجملة «لا تعليق، لأن العبث وصل للذروة»، ثم تساءلت: كيف تُدار هذه المؤسسة المهِّمة في وزارة الثقافة المسماة بالعلاقات الثقافية الخارجية؟ فالشأن الثقافي يتم التعامل معه باستخفاف، ومن قِبل جماعة غير متخصصة، لأنه عندما نعتبر أن يوسف أفندي هو أحد الذين يجب أن توضَع صورهم في سفاراتنا بالخارج لكي يعرف العالم رموزنا الثقافية والسياسية، فهذه مهزلة مع احترامي ليوسف أفندي، ولكن على غراره يمكن أن نضع صورة الدكتور الذي يذهب للقضاء على بعوضة جامبيا في أوغندا وكينيا، أو من يجلب لنا لحومًا من البرازيل لكي لا تُذبَح على غير الشريعة الإسلامية.. وهكذا.

وأشارت سلوى بكر إلى أن الخطاب تم عرضه في لجنة القصة، التي رأت أن عدم الرد هو أبلغ موقف، معللة: هناك استخفاف في التعامل مع هذا الأمر، يعكس عدم فهم لدور الثقافة وقيمتها. العالم كله اليوم يعرف محمد صلاح ويعتبره رمزًا، ومجدي يعقوب، وأحمد زويل... وهكذا، ويعرفون في المقام الأول – أيضًا – نوال السعداوي، الحاصلة على جائزة كبرى من إسبانيا وجائزة من الدولة الفرنسية، ووسام من رئيس الجمهورية التونسية، وقد رأيت بعيني كيف تُستقبَل في المؤتمرات والندوات الدولية. قد نختلف أو نتفق حول آرائها، لكن هذا موضوع آخر.

وأشار كذلك الكاتب يوسف القعيد، مقرر لجنة القصة، إلى موقف اللجنة، مؤكدًا أن الخطاب عُرِض في غيابه، لانشغاله أحيانًا في البرلمان ومسئولياته، وقد تولى د.حسين حمودة رئاسة الاجتماع في تلك الجلسة وكتب على الخطاب نُظِر، بإجماع الأعضاء الحاضرين، وهو الأمر الذي احترمه وجعله لا يستجيب لدعوات بعض الموظفين له – فيما بعد – بترشيح اسم أو اسمين لاقتراحهما.

أما رؤيته الشخصية للأمر؛ فهو يصف ذلك بـ «التهريج»، قائلًا: توزيع الأمر على اللجان في هذه الحالة قد لا يكون مجديًا، وإنما يجب العودة إلى شخص واحد مختص في كل مجال، ناقد أدبي وآخر فني ومؤرخ وعالم جغرافيا وكاتب سير ذاتية وسينمائي ومسرحي وتليفزيوني، لترشيح ما يشاءون من الأسماء، ثم تتم غربلة لهم بأكبر قدر من المسئولية والاهتمام والعناية، لأن هذا الملصق يجب أن يُخبِر من يراه من غير المصريين؛ ما هي مصر وماذا فعلت أو قدمت، ولابد أن نختار فيه شخصيات في قامة الأهرامات وأبو الهول ونهر النيل لا يوجد عليها أدنى خلاف. أعلم أن الناس لا يتقفون على أي شيء، لكن لابد من وجود قدر من الاتفاق عليهم، فهل هناك خلاف على سيد درويش أو نجيب محفوظ؟!

واستطرد القعيد: المسألة لا تخص الشخصيات التي ضمتها القائمة، فهُم بشر نحترمهم ولا نملك ضدهم أي شيء، أدُّوا واجبهم وأخطأوا وأصابوا، لكنهم لا يمثلون مصر إطلاقًا. كما أن عدم وجود محفوظ وزويل خطأ، ليس تقديرًا لنوبل؛ ولكن لأن العالم يعرفهم في الخارج كرموز لمصر. كما أنه لا يكفي 20 شخصية على الإطلاق. ثم؛ لماذا الأمر متوقف عند «بوستر» واحد؟ لمَ لا يكون كُتيِّب أو أكثر من «بوستر»؛ واحد فني وآخر فكري وثالث تاريخي ورابع حضاري وهكذا. يكفي أن لدينا إخناتون؛ أول ما نادى بالتوحيد في تاريخ البشرية كلها.

ثم طرح عددًا من الأسئلة: أين الأستاذة الدكتورة إيناس عبد الدايم وزير الثقافة من هذا؟ هل المسئولون في العلاقات الثقافية الخارجية اتخذوا قرارًا ونفذوه بهذه الطريقة وأرسلوه للجان بدون الرجوع لها؟ وهل مر هذا الورق على الدكتور سعيد المصري أم أنه وصل إلينا روتينيًا دون علمه؟ نحن نبدد ثروة هذا الوطن. يجب وقف هذا العبث فورًا وإعداده على أساس علمي دقيق وصارم، لأن ما يخص مصر يجب أن يؤخذ بجدية تساوي اسمها ودورها وكيانها وأهميتها.

أما لجنة علم النفس، فقد أكد مقررها د.شاكر عبد الحميد، وزير الثقافة الأسبق، أن تلك القائمة لم تُعرَض عليهم، ولذلك رشَّحوا د.مصطفى سويف في مجالهم، إلا أنها تدل على أن هذا القطاع مغيَّب عن الثقافة المصرية. مضيفًا: يبدو أن هناك شيئًا خاطئًا وأنهم لا يعرفون الثقافة المصرية، أو لا يفهمون عملهم. تلك مهمة المجلس ولجانه.

مهمة لا يملكها سوى المجلس

اتفق الفنان عصمت داوستاشي مع رأي د.شاكر، بأن الجهة المنوط بها ترشيح الأسماء هي المجلس الأعلى للثقافة وليس قطاعات الوزارة، لأنه يضم كل اللجان والشُعب التي تغطي الإنجازات الثقافية في مصر، متصوِّرًا أن حالة كتلك كان لابد أن يتم فيها دعوة المثقفين لترشيح الأسماء، وكل فنان أو مثقف يمكنه ذكر عشرين اسمًا ممن أثَّروا في الحراك الثقافي بمصر ليس منهم هؤلاء. مستطردًا: هناك شخصيات لها تأثير عميق في مصر خاصة في المائة عام الأخيرة لابد من إعادة الاعتبار لها وتسليط الضوء عليها، فمن الأسماء التي لا يتذكرها أحد رغم دوره الريادي في مصر هو الدكتور حسين فوزي، الذي كان يقدِّم في البرنامج الثاني الموسيقي شرحًا للسيمفونيات، فهو طبيب وعالم وفنان، ورائد الأحياء المائية في مصر، الذي أسس متحفا لها، وأنشأ كلية العلوم في الإسكندرية.

لكنه توقَّف عند المعايير قائلًا: لابد أن تكون الأسماء لرواد التطور الحضاري في مصر، الذين لإنجازاتهم تأثير كبير في التطور الذي مرت به مصر في المجالات المختلفة. كما أن حصر المنجزين على مدار تاريخ مصر في عشرين اسمًا فقط يشمل قدرًا كبيرًا من الإجحاف، فلنتحدث عن آخر مائة عام أو فترة محددة.

يتفق المخرج محمد فاضل معهما كذلك في أن تلك مهمة المجلس الأعلى للثقافة وحده، مشددًا على أن القطاع دوره فقط هو التنفيذ، وموضِّحًا: القطاع ليس جهة إنتاج ثقافي، وإنما عمله طبقًا للقانون هو تنسيق العلاقات الثقافية الخارجية، أما المنتج الثقافي واختيار الشخصيات فهو من مهام المختصين أو الخبراء الموجودين في لجان المجلس الأعلى للثقافة، لأنهم الأكثر خبرة والأقدر على الاختيار، لذلك لم يكن عليهم وضع مثل هذا المقترح، لأنهم ليس لديهم الخبراء، بطبيعة تكوين الإدارة لا تقليلًا منهم، فمع كامل الاحترام لأشخاصهم؛ هذا ليس دورهم ولا تسمح خلفيتهم الثقافية للقيام بذلك.

وشبَّه فاضل الأمر بعملية صك عملة جديدة، التي لا تتم دون موافقة مجلس الوزراء وليس وزير المالية أو البنك المركزي، وبالتالي كان الحد الأدنى يقتضي أن يذهب هذا الخطاب إلى وزيرة الثقافة وهي بدورها تحوِّله إلى اللجان المختصة بالمجلس.

لا تعليق

أما د.عبد الواحد النبوي، وزير الثقافة الأسبق، فرفض التعليق لأول وهلة، مبديًا دهشته من المستوى الذي يضع الخطط الاستراتيجية للدعاية لمصر باستخدام رموزها، حيث لم يكن يتوقع أن يصل لهذه الدرجة!!! وبصوت منفعل قال: لنعرض ذلك على الشعب المصري ليخبروننا إن كان يصح ذلك! ليس تقليلًا من هذه الشخصيات، لكن هل يمكن اختزال تاريخ مصر فى 20 شخصية؟ هذا إجحاف. رأيي أن نعمل على إعداد موسوعة، وعدد من الملصقات وليس واحدًا، كل فترة يتم إعداد ملصق فى مجال واحد، سياسي أو اقتصادي أو ثقافي أو عسكري..... وهكذا، كل منها يضم ما يزيد على عشرين اسمًا، فمصر زاخرة منذ مينا وحتى وقتنا الحالي. لكن المهِّم أن تعمل على ذلك لجان متخصصة، مدركة ودارسة لتاريخ مصر الذي امتلك عقليات استطاعت تطوير المجتمع المصري وحضارته على مدى العصور.

بينما ظنَّ د.أحمد مرسي للحظات أن الأمر مزحة أو «كذبة إبريل»، وحينما أيقن أنه واقع رفض التعليق، مكتفيًا بقول «شر البليَّة ما يُضحِك.. عليه العوض ومنه العوض!!!!!!!».

جيدة للداخل لا الخارج

حاول د.خيري دومة، أستاذ الأدب الحديث بجامعة القاهرة، أن يتفهم فكر من وضع تلك القائمة، بأنه أراد أن ينصف هؤلاء باعتبارهم شخصيات متوارية، فأراد إلقاء الضوء عليها، وكأنه يخبرنا بالمنسيين الأوائل، لكنه استطرد: إن كان هذا مُقدمًا للمصريين ليتعرفوا عليهم سأتفهم، لكن حينما نخاطب الآخر لابد من تقديم أصحاب التأثير الأكبر. كل هؤلاء لم يتركوا أثرًا بالقدر الذي يجعلهم مشهورين عند الناس، فمن يترك تأثيرًا كبيرًا ينال الشهرة رغمًا عن الجميع، وعلى غير رغبتنا. مثلًا؛ عندما نقول أحمد خالد توفيق، فأنا أعتبره شخصًا مشهورًا جدًا رغمًا عن الكل، مهما قال النقاد، لأنه ترك أثرا وبصمة عند الشباب، ومثله حينما أقول أحمد عدوية.

وتساءل دومة إن كان معِّد تلك القائمة يميل إلى ثورة 1919 لأنها تدور في فلك الشخصيات والفترة المحيطة بها، وأضاف متعجبًا: كيف نقول التاريخ المصري ولا نجد رمسيس أو توت غنخ آمون؟ كيف لا نجد نجيب محفوظ أو زويل أو مجدي يعقوب أو طه حسين أو السادات... وغيرهم. تلك القائمة يمكن إعدادها للمصريين لا للخارج.

قائمة مُنصِفة يلزمها المتابعة

أما المخرج يسري نصرالله، فهو صاحب الرأي الأكثر اختلافًا مع ما سبق، فهو لم يجد القائمة سيئة أو معيبة، وإنما وجد أن المشكلة في صياغة الخطاب الخاص من القطاع، الذي لم يحسن التعبير عن هدفه بإعداد قائمة تلقي الضوء على بعض المنسيين من أصحاب المساهمات العظيمة. وقد جاءني صوته فرحًا وهو يقول: أعجبتني القائمة. أحببتها. لأنها تضم أناسا رائعين ونادرًا ما يتحدث عنهم أحد، فالمشهورون أخذوا حقهم تمامًا في الحديث عنهم ودراسة أعمالهم وتداولها بين الناس، أما المذكورون في القائمة فمعروفون لعدد محدود جدًا، ودورهم مطموس لسببٍ ما لا أعرفه، بالرغم من مساهمتهم العظيمة في الثقافة المصرية في فترة نهضتها.

ومتحدِّثًا عن بعض الشخصيات التي تضمنتها القائمة، قال: سعيد جدًا بوجود قوت القلوب الدمرداشية، فهي شخصية جديرة بالاهتمام ولها روايات عظيمة جدًا. وكذلك د.درية شفيق، التي لا يعرف الكثيرون إسهاماتها في الحركة النسائية، فحينما نتحدث عن تحرر المرأة نذكر دائمًا هدى شعراوي ونبوية موسى، لكني أعلم مدى أهمية دور درية شفيق بحكم أن عمتي كانت صديقة لسيزا نبراوي، ودائمًا ما كنت أسمع عنها في حديثهما.

وعن الشخصية الأكثر جدلًا في القائمة «بمبة كشر» يقول نصرالله: إن قُلنا تحية كاريوكا وسامية جمال فهن معروفات تمامًا في الخارج والداخل، لكن بمبة كشر لا يعرفها الكثيرون سوى من فيلم نادية الجندي، رغم أنها كانت شخصية مهمة في تأسيس الرقص الاستعراضي وتحويل الرقص الشرقي لشيء أرقى.

وفي ختام كلماته قال نصرالله مشددًا: إن كان الهدف هو تعريف الناس بالشخصيات التي لم تنل حقها من الدراسة والتداول ثقافيًا وشعبيًا، فهذا شيء جيد، إن كانت تلك أول قائمة. ولكن لا يكفي سطران عن كل شخصية، فإن كان الأمر مجرد وضع صورهم وكلمة عن كل منهم من أجل الخارج، فلن يكون ذلك مؤثرًا بأي شكل أو مجديًا، وإنما لابد من إجراء دراسات عن تلك الشخصيات وتعميمها على طلبة المدارس، وربط ذلك بمعارض عنهم لتوعية المصريين بأهميتهم.

Comments