محمد جبريل.. عُمْر من العطاء

شهور طويلة مرَّت منذ دار الحديث – لأول مرة – بيني وبين الأستاذ طارق الطاهر، رئيس التحرير، بشأن إعداد هذ الملف عن المبدع والكاتب الصحفي محمد جبريل. انتقلنا من عامٍ إلى آخر دون أن ينتهي أو يُنشَر، ولم أكن، حتى أيام قليلة ماضية، أعلم السبب، فالمواد كلها جاهزة منذ وقت طويل، فيما عدا حواري معه!

قررتُ أخيرًا أن أضع حدًا للأمر وأنهيه، وأن أفتح ملفات العمل على الحوار، فتجَّلت لي الأزمة الحقيقية. لم أستطع التعامل مع الأمر كما أفعل دائمًا، لأنني لم أعتد الخلط بين العمل وحياتي الشخصية، ومحمد جبريل ليس غريبًا أبدًا عنى. كبرتُ وأنا أسمع اسمه في البيت على الدوام. وبعد فقداني لوالدي بفترة قصيرة؛ صارت زياراتي له، مع شقيقى، شبه منتظمة. نتحدّث عن كل شىء وأي شىء. لديه أجد الدفء والعطاء غير المحدود، وفي ملامحه أرى صورة أبى.

رغم يقيني من اختلاف علاقتي به، إلا أنني أدرك جيدًا أن تلك السمات جزءًا لا يتجزأ من شخصيته، أشار إليها كل من تعامل معه، وكل من حالفه الحظ ليعرف طريق ندوته الأسبوعية، كما تتجلى في بعض الشهادات والقراءات التي يتضمنها هذا البستان. لقد اعتاد محمد جبريل على العطاء دون انتظار المقابل، لم يتنافس أو يقاتل يومًا للحصول على شىء، حتى وإن كان يستحقه.

في السطور التالية نحاول أن نرُّد قدرًا يسيرًا من عطايا جبريل للحياة الثقافية، تقديرًا لقيمته وفكره وإبداعه الذي لا ينضب.

DSC_0896

في ستينية انتقاله إلى القاهرة..

محمد جبريل: أنا موجود في كل كتاباتى

عائلة مكوَّنة من أب وأم وثلاثة أطفال، بنت في الخامسة من عمرها، وصبيان، يناهز أكبرهما العامين ولا يتعدى الصغير شهرًا؛ انتقلت خلال النصف الأول في العام 1938، من العقار الذي يسكنونه إلى المقابل له، لتبدأ رحلة طويلة لذلك الطفل الرضيع، تزيد على ثمانين عامًا، منذ قطَن الدور الثالث في 54 شارع إسماعيل صبري بمنطقة بحري في الإسكندرية ووصولًا إلى شقة 4 في 18 شارع الدكتور سليمان عزمي بمصر الجديدة فى القاهرة؛ تلك السنوات شهدت محطات متباينة وثرية في حياة الكاتب محمد جبريل أو «محمد لطفي حسن جبريل» كما جاء في شهادة ميلاده.

لبِنات التكوين

منذ أدرك كينونته في الدنيا؛ وجد نفسه في بيئة تحض على القراءة والتأمل والدهشة واكتساب الخبرات، والمتمثّلة في مكتبة أبيه، مترجِم الاقتصاد المهتم بالثقافة والأدب، الذي استلهم شخصيته في رواية «حكايات الفصول الأربعة». وفي عمر 15 عامًا وقف جبريل أمامه المكتبة قائلًا: «سأصبح كاتبًا، لابد أن أكون مثل هؤلاء». هؤلاء كانوا طه حسين والزيات والمازني ويوسف السباعي وعبد الحليم عبدالله وغيرهم. وفيما بعد انضم إليهم نجيب محفوظ ويوسف إدريس؛ صاحبا التأثير الأكبر في تكوينه الأدبى.

يقول محمد جبريل: لا أعرف سوى الكتابة، لكن الأدب لا يؤكِل عيشًا، لذلك صِرت صحفيًا.

يصمت للحظات، ثم يستكمل بنبرة هادئة: تمنيتُ لو عاش أبي ليرى مؤلفاتى، لأنه لم يؤمن بقدراتي أبدًا في صغرى. حينما كنت أعرض عليه شيئًا مما أكتب، كان يرد دائمًا: من كتَب لك؟. ربما يعود ذلك لخشيته من أن يصرفني الأدب عن «المذاكرة»، ولأنه لا يصلح – في رأيه – كعمل يمكن الاشتغال به، وهو محِّق.

DSC_0925

تخيلتُ لبرهة وهو يتحدث أن والده كان قاسيًا، لأنه لم يشجِّعه على فعل ما يحِّب. لكنه ردَّني سريعًا بقوله: لم يكن أبي قاسيًا على الإطلاق، على عكس أمى. أو هكذا كنت أظن، لدرجة أنني حينما توفيت قلت لنفسي «حسنًا، لقد ارتحتُ من ضربها»، لكني تبينتُ بعد ذلك أنها كانت أمًا حقيقية، ولم تكن تلك سوى قسوة المحِّب، لأنها كانت تخاف علينا وتريدنا مثاليين.

ربما فقدانه لوالدته مبكرًا كان سببًا في غياب المرأة عن معظم إبداعات محمد جبريل الأولى، لكن؛ ورغم أنها رحلت وهو لا يزال في التاسعة من عمره، إلا أنه يتذكر كل شيء، حتى جُملتها القصيرة الحنون، التي لم يسمعها إلا منها. يقول: بعد تناول الطعام؛ كنت أقول لها «أنا شبعت» فترد علىَّ «وأنا فرحت».

بحري و«بنحبوه»

عاش محمد جبريل سنوات عمره الأولى حتى بلغ سن العشرين، في الإسكندرية. تفتح وعيه عليها، وشهدَت طفولته ونشأته وصباه. من يقرأ أعماله سيعرف جيدًا قدر تغلغل تلك المدينة في كيانه. إنها، كما يقول: صورة «الموطن» في ذاكرتى، وهي المكان الذي تخلَّقتْ فيه – حتى الآن – غالبية أعمالى، وبالذات؛ هذه المنطقة ما بين المنشية وسراي رأس التين، والتي مارس فيها أبطال قصصي حيواتهم، حيث سكنوا البيوت، وتنقلوا في الميادين والشوارع والأزقة، جلسوا على شاطئ الكورنيش، قضوا الأمسيات في حدائق رأس التين، عاشوا اللحظات الهانئة، والقاسية، اصطادوا بالسنارة والجرافة والطراحة، واصطادوا المياس ساعات العصارى، ترقبوا النوات وعانوا تأثيراتها، بدءًا باختطاف الرجال في البحر، إلى توضح الكساد في ملازمة البيوت، أو شغل الوقت بالجلوس على «القهاوى».

DSC_1000

يثق جبريل أن دافعه الأول للكتابة عن الإسكندرية هو الحنين. ربما لو أنه لم يتركها ما كتب عنها هذا الكم من الروايات والقصص القصيرة. ومع انتصاره للمخيلة، فإن الزمكان الذي يتناوله – في الأغلب – هو حي بحرى، ذلك الحي المتسم بخصوصية بالغة، مفرداتها البحر واليابسة والصيادين وعمال الميناء والبحارة والجوامع وأضرحة أولياء الله، وانعكاس ذلك كله على مظاهر الحياة اليومية. ذلك الحي الذي وُلِد فيه وتعرَّف على المعتقدات والقيم والعادات والتقاليد التي تسِمه بخصائص مغايرة. يوضِّح: إنها بيئة خلاقة، تهِب ما لا نهاية له من الرؤى والتأملات والتعرف إلى الواقع المتفرِّد في أدق تفصيلاته، بدءًا بوسائل العيش، وانتهاء بمحاولة السير في الطريق التي سار فيها من قبل النديم وسلامة حجازي والتونسي وسيد درويش والحكيم ومحمود سعيد وأدهم والنشار وبيكار والشوباشي والعدوي وعشرات غيرهم.

في حي بحري – أيضًا – عرف ملامح التصوف الأولى دون أن يدرى، حيث كان بيته تطل عليه مئذنة، فاعتاد أن ينصت إلى الأذان من جامع سيدي علي تمراز، ويشاهد زحام المصلين في الميدان الواسع أمامه، ويستمع وقت صلاة الجمعة إلى خُطب الشيخ عبد الحفيظ – الشخصية الرئيسة في روايات «رباعية بحرى»، «أهل البحر» و«ورثة عائلة المطعنى» – ويردد تكبيرات المصلين في عيدي الفطر والأضحى، منذ ما قبل شروق الشمس. يتذكَّر: مثَّلت لي صلاة الجمعة والعيدين، وامتلاء سعة ميدان الخمس فوانيس، بداية التعرُّف إلى الدين. تأملت، وسألت، وتلقيتُ أجوبة. تلاصقتْ الجزئيات والتفصيلات، لتشكِّل – في النهاية – مشهدًا بانوراميًا يعاني الشحوب، ثم لحقته تكوينات جديدة، فرضها التعرُّف إلى معنى الدين. لكني لا أتعمد البُعد الصوفى، إنما هو تعبير عن الشخصية، وعن الموقف والحدث، في اللحظة التي يختارها.

DSC_0953

وجد جبريل في الواقعية الصوفية تعبيرًا متماهيًا، أو موازيًا للواقعية السحرية التي توصف بها إبداعات جارثيا ماركيز وإيزابيل الليندي ويوسا وغيرهم من مبدعي أمريكا اللاتينية. لكنه تبيَّن لاحقًا أن تسمية «الواقعية الروحية» أقرب إلى الدقة، بل هي - في قناعته - صحيحة تمامًا. يفسِّر: الواقعية الصوفية تحصر الجو الإبداعي في الممارسات الصوفية وحدها، في مكاشفات أولياء الله وكراماتهم، ما ينسب إلى السيد البدوي وأبي العباس والشافعي والرفاعي والشاذلي والحجاجي وديوان أم العواجز من خوارق ومعجزات، وما ينسب إلى الفرق الصوفية بعامة من إجراءات وطقوس. أما الروحية فهي تهب دلالة أكثر رحابة، وأشد تحديدًا في الوقت نفسه. مكاشفات وبركات الصوفية تتماهى مع بنية الواقعية السحرية، وتوظيف الفن للبعد الصوفي ليس لمجرد ما يحمله من خوارق ومعجزات، لكنه يصدر عن فلسفة حياة تشمل الميتافيزيقا وعلم الجمال والهموم الآنية من سياسة وتاريخ وعلم اجتماع وعلم نفس وغيرها.

منذ ستين عامًا، أي سنة 1959؛ قرر محمد جبريل الانتقال إلى القاهرة، بعد سنوات قليلة من وفاة والده، وتفرُّقه هو وأخوته، حيث ذهب كل منهم للعيش مع أحد أقاربه. إلا أن الإسكندرية لم تغب عن خاطره يومًا، وهو ما عبَّر عنه في كتابه «أيامي القاهرية»، وكأنه ينفي اتهامًا، قائلًا: «ابتعدتُ عنها، دون أن تبرح موضعها في داخلى». وهو ما أوضحه مستطردًا: منذ غادرتُ الإسكندرية لم تغادرنى، ظلت في داخلي بذكرياتها، وتأثيراتها، وصور الحياة بين اليابسة والبحر. حتى عندما حاولتُ التعبير عن «أيامي القاهرية» فإن صورة بحري ظلت على إلحاحها ولم تغادر وجدانى.

فلسفة حياة

رغم أنه بدأ الكتابة في سن مبكرة، ويعَّد من كُتَّاب الستينيات، لكنه لم ينشر قبل عام 1970، الذي شهد ميلاد مجموعته القصصية الأولى «تلك اللحظة»، لأنه قضى عشر سنوات كاملة يقرأ فقط، أو على حد تعبيره «يؤسس نفسه». يقول عن تلك الفترة: كانت لدىَّ حالة هوس بالقراءة، أخذّتني من كل شيء، وشغلتني عن الاستمتاع بكثير من التجارب، حتى أنني لم أتعلَّم «العوم» رغم نشأتي الإسكندرانية.

DSC_1298

اعتاد محمد جبريل، قبل أن يدفع إلى المطبعة بعملٍ ما، أن يعود إليه – في أوقات متقاربة – ليراجع، ويضيف، ويحذف، متأثرًا في ذلك بقول بلزاك إنه قد يقضي في قراءة النص ثلاثة أيام، ثم يحذف حرفًا، ويقضي في القراءة ثلاثة أيام تالية، قبل أن يعيد الحرف المحذوف. لكنه يؤكد: إذا صدر العمل لا أعود إليه على أي نحو. إلا أن أصداء بعض الكتابات في نفسى، وفي عملية التلقى؛ دفعتني – أعترف – إلى إضافة أوراق أخرى إلى أوراق المتنبى، وإلى استعادة ما حذفته الرقابة في الطبعة الأولى من «الأسوار»، وإلى استكمال أحداث قصتي القصيرة «نبوءة عراف مجنون» في رواية «رائحة الحنين»، وقصتي القصيرة «انكسارات الرؤى المستحيلة» في رواية «أحمد أنيس.. ظلّي الضائع». والحق أني خلوت إلى الروايتين كنصين جديدين أول خيوطهما في محاولتين قصصيتين، ثم تشابكت الخيوط في عملين روائيين، لا صلة لهما بغير لحظات الكتابة الآنية.

DSC_1115

القارئ لكتابات جبريل سيجد جانبًا ذاتيًا في كل عمل، أو كما يقول هو «أنا موجود في كل أعمالى. من يقرأني جيدًا يعرفني جيدًا». لكنه منذ البداية وضع إطارًا عامًا لمشروعه الأدبي حرص فيه على فلسفة الحياة التي تنعكس في شخصيات وأقوال وتصرفات، بالإضافة إلى «الحكاية» في المقام الأول. يقول: الحدوتة دعامة أولى في بناء أي عمل روائى، ثم تأتي بقية الدعامات، وهي بالنسبة للتقنية عندى؛ الإفادة من العناصر والمقومات في وسائل الفنون الأخرى، كالفلاش باك والتقطيع في السينما، والتبقيع في الفن التشكيلى، والهارموني في الموسيقى، ودرامية الحوار في المسرحية... إلخ، فأنا أؤمن بقول بريخت «يجدر بالكاتب - لكي يسيطر على القوة الدينامية للواقع - أن يفيد من كل الوسائل الشكلية المتاحة، بصرف النظر عن جدتها أو قدمها». وأتصور أن ذلك يتبدى بدرجة وبأخرى في كل رواياتى؛ بدءاً بالأسوار وانتهاء بالنفي إلى الوطن، مرورًا بما يجاوز الأربعين رواية، فضلًا عن عشرات القصص القصيرة.

DSC_0857

ويستطرد جبريل: على الروائي – والقاص بالطبع – أن يثري إبداعه بإسهامات الفنون الأخرى، بما تملكه الفنون الأخرى من خصائص جمالية وتقنية، فيتحقق للنص الأدبي أبعاد جديدة، وتتحقق كذلك أبعاد جديدة للفنون الأخرى.

يجعل محمد جبريل من تلك الكلمات الثلاث «أقرأ.. أتأمل.. أكتب» شعارًا لمشروعه الأدبى، أما فلسفة حياته، التي تظهر في كتاباته أيضًا؛ فهي «المقاومة». ثمة مقاومة الخوف والمطاردة والسلطة الظالمة، وفي المقدمة مقاومته للعدوان الصهيونى، فهو ضد الصهيونية؛ لا اليهود. يؤمن بالوحدة العربية، ويقول: أنا ضد إطلاق اسم الشرق الأوسط على بلادنا، تلك تسمية أُطلِقت من أجل إسرائيل. إنه الوطن العربى، المكوَّن من أقطار كثيرة، من بينها المصرى. وهذه المنطقة لن تتبدل أحوالها إلا إن صرنا وطنًا واحدًا.

عروبي وافتخر

تلك الروح العروبية؛ تعود غالبًا إلى اهتمام محمد جبريل الشديد بالتراث، الذي يحتل عددًا كبيرًا من أعماله، فعندما يحِّن لفترة معينة، يقرأها جيدًا ليوظِّفها في نص أدبى، فيتعرف – بصورة حميمة – إلى مفردات لغتها وعاداتها وتقاليدها ومظاهر الحياة فيها، يقول: لا أبدأ الكتابة إلاّ وأنا في حالة توحد كاملة مع الفترة التي اخترتها. بعد ذلك أترك للعمل الإبداعى عفويته وتلقائيته، لا تشغلني الملابسات التاريخية، لأنني لستُ مؤرخًا.

DSC_0956.jpg

عرض جبريل في دراسته التي جاوزت الأربعة آلاف صفحة بعنوان «مصر في قصص كتابها المعاصرين» لثورات المصريين منذ 1881 إلى 1952، اعتمد فيها على ما أتيح له قراءته من كتب المؤرخين. إلا أنه في روايته «اعترافات سيد القرية» التي دارت خلال العصر الفرعونى، والأعمال الإبداعية العديدة التي كانت ثورة يوليو 1952 نبضًا لها، مثل: «النظر إلى أسفل» و«عناد الأمواج» و«الشاطئ الآخر» و«رباعية بحرى» و«حكايات الفصول الأربعة» و«رائحة الحنين» وغيرها؛ جاءت وليدة خبرات شخصية وغيرية، لأنها جرت في الأمكنة التي عاش فيها، والأزمنة التىي عاصرها.

أما في روايته الأخيرة «النفي إلى الوطن»؛ فيعود جبريل إلى فترة انتقال مصر إلى العصر الحديث، من خلال العلاقة بين الحاكم محمد على والزعيم الشعبي عمر مكرم. وهي فترة حافلة بآلاف الأسئلة والصراعات والمؤامرات والصمود الشعبى، يصفها قائلًا: إنها فترة – لخطورتها – تحتاج إلى التأمل العميق والاستيعاب والفهم ومحاولة التوصل إلى النتائج الصحيحة.

مقاومة لا تهزمها الآلام

في أوائل الثمانينيات من القرن الماضى؛ انتقل محمد جبريل إلى شقته الحالية بمصر الجديدة، ليقضي فيها ما يقرب من أربعين عامًا، حتى صارت تشبهه. كل ركن فيها له حكاية. بدءًا من المكتبة وما تحويه من كتب متنوعة، وحتى الصور القديمة التي تزيِّن حوائطها، و«التُحف» التي تعبر كل قطعة منها عن ثقافة بلد زاره هو أو رفيقة دربه د.زينب العسال، أو كليهما.

وكما شهدت الشقة أجمل لحظاته؛ احتضنت - أيضًا - آلامه، التي أصبحت شبه يومية بعد تعرضه لإصابة، يعتبرها «إصابة عمل». نعم. فمن يعمل في الصحافة يعرف جيدًا ما تعانيه العظام، من جراء القراءة والكتابة. لكن إصابته تضاعفت بعد خضوعه لعملية جراحية، تسببت – بخطأ من الطبيب – في تدهور حالة عموده الفقري وإعاقة حركته، فلازم بيته ولم يعد يبرحه سوى نادرًا.

DSC_1076

مع تزايد آلامه، ازداد تمسكه بالقراءة والتأمل والكتابة، وصاروا سلاحه لتحمُّل الآلام. ولأن فلسفته هي «المقاومة»؛ فلم ييأس أو يستسلم، ومازال يبادر بالذهاب إلى كل طبيب يخبره أحدهم بأنه قد يكون قادرًا على مداواة ما أتلفه زميل مهنته، ولذلك سافر مؤخرًا إلى الإسكندرية، لكن جواب الطبيب جاء كالتالى: «إذا أجريت عملية ثانية فإن نسبة إصابتك بشلل كلي تبلغ 70%، والاقتصار على المسكنات يرجئ ما أخشاه». ثم أردف بلهجة متصعبة: «العملية تنجح في أوروبا لأنهم يجرونها كمجموعة أطباء، كل في تخصصه».

غادر جبريل العيادة وهو يجتر الكلمات التي لم يفهمها! لكنه مازال مستمرًا في مقاومته، وينتظر يوم السبت، والجريدة ماثلة للطبع؛ لقاء مع طبيب آخر بمستشفى دار الفؤاد، ربما يجد لديه الحل.

Comments